لا يا عزيزي القارئ، لم أخطئ في الكتابة، فالأصل اللغوي لكلمة القرامطة يعود لكلمة قرمز الفارسية التي وصف بها أول ما وصف مؤسس فرقة القرامطة حمدان قرمز بسبب كثرة احمرار عينه من شدة السكر والعربدة، وحين أرادوا تعريبها بقيت جذورها الفارسية شاهدة على نذالتهم وخسة طباعهم التي ما شهد لها التاريخ مثيلاً.واليوم ها هم القرامزة الجدد يعيدون سيرة من علمهم الإجرام والإرهاب قبل قرون، وهم يستهدفون بيت الله الحرام ومسجده المحرم في البلد الحرام بل وفي الشهر الحرام محرم، وهو أمر ليس مستجداً لا عليهم ولا على من يمولهم ويدربهم ويزودهم بالأسلحة والصواريخ.ولا يختلف استهداف البيت الحرام في مواسم العمرة، عن استهدافاته المتكررة في مواسم الحج، ولدينا مما نشرته الصحافة الإيرانية نفسها ما يدل على «عدم براءة» الأيادي الصفوية حتى من حادثة الرافعة التي استهدفت ترهيب الناس من موسم الحج في بدايته العام الماضي 2015، قبل «غدرتهم» الكبرى في حادثة التدافع.إن المسألة ليست مجرد رد عسكري على استمرار «عاصفة الحزم» كما قد يتوهم البعض جهلاً، بل إنها تحمل دلالات وأعماقاً ليست بريئة ولا خفية، لعل أولها على سبيل المثال تخزين الذخائر والصواريخ في مسجد مهجور ثم إطلاق الصاروخ من ذلك المسجد باتجاه البيت الحرام. ما هو المقصود من هذه الفعلة سوى إشعال فتنة طائفية من خلال تصوير الأمر وكأن السعودية والتحالف يقصفون مساجد منطقة صعدة، لأن رد الفعل السعودي الطبيعي سيكون قصف نقطة إطلاق الصاروخ، خاصة وأنهم متأكدون مسبقاً أن لدى المملكة القدرة التقنية والعسكرية على التصدي للصاروخ وإسقاطه قبل الوصول لحدود منطقة مكة المكرمة؟ على كل، أحسنت قوات التحالف صنعاً بتصوير لحظة قصف ذلك المسجد المهجور حيث شاهدنا الذخائر والصواريخ وهي تنفجر منه تباعاً بعد الضربة الجوية ما يؤكد أنه مجرد مخزن أسلحة على هيئة مسجد لا أكثر.وبالطبع فهناك أيضاً محاولة لتحقيق نصر معنوي وهمي، من خلال الإيحاء بالقدرة على الوصول إلى أي هدف في المملكة، وهذا كلام قد يصح على الورق، وأعتقد أن أول من يعرف حقيقته ويدركها هي القيادة العسكرية في السعودية التي تعرف أيضاً كيف تحمي بلدها وحدودها وإلا لما كانت استثمرت كل هذه الأموال في الدرع الصاروخي وقوات الدفاع الجوي الملكي السعودي، لذلك حتى إن صح هذا الكلام نظرياً، فهو مستحيل عملياً، لأن أسود التحالف، بفضل من الله ونصره، على أهبة الاستعداد، ولا أدل على ذلك من فشل العدو الحوثي العفاشي اللعين في إيصال أي صاروخ إلى هدفه أو حتى تحقيق أي هدف على الأراضي السعودية.إنما هذه افتراضات، أما ما أرجحه فعلياً فهو وجود نية مبيتة تستهدف الحرم الشريف مباشرة، لكن الله حمى بيته العتيق. ولمن يستغرب أو يفاجأ أذكر من بين أمثلة كثيرة بما حصل في موسم حج عام 1406هـ «1986م» عندما حطت طائرة حجاج إيرانية في مطار الملك عبدالعزيز بجدة، وعندما تم تفتيش حقائبهم من قبل رجال الجمارك تبين أن جميع ركابها يخبئون في قاعدة حقائبهم مادة متفجرة شديدة الانفجار، وبعد التحقيق معهم اعترفوا أنهم كانوا يريدون تفجير الكعبة والحرم المكي الشريف بأكمله.اليوم تلعب إيران اللعبة بخبث أكبر، فإطلاق صاروخ من قاعدة إيرانية مباشرة سيهيج الأمة الإسلامية جمعاء ضدها فوق ما هي عليه الحال من رفض للحروب الطائفية التي تقوم بها في كل من العراق وسوريا واليمن، أما إطلاق الصاروخ بالوكالة من قاعدة حوثية عفاشية مستغلة ستار وجود «حرب» بينهم وبين السعودية «كما يصفون عاصفة الحزم» فسيجعل الأمر يبدو وكأنه رد فعل عسكري عادي. وهذا الأسلوب ليس غريباً ولا مستبعداً على الخبث الإيراني، فهم من أوعز لعصابة «حزب الله» في الحجاز بارتكاب جرائم بالوكالة في مواسم حج مختلفة لجعلها تبدو وكأنها أعمال تخريب محلية، ولكن الله تعالى هيأ في كل مرة لرجال الأمن السعودي كشف المؤامرة والمتآمرين قبل الخونة التابعين.وماذا سيحصل إذا أصيب الحرم الشريف لا قدّر الله؟ هي نفس اللعبة القرمطية القديمة، تحويل الحج إلى لعبة مزايدة سياسية، أولاً للادعاء أن السعودية الشقيقة عاجزة عن حماية المقدسات والحجيج وبالتالي إعطاء مصداقية وهمية للمطالبة بإشراف دولي على الأراضي المقدسة وموسم الحج، وهو أمر يتساوق مع خطط أمريكية سبق أن أشرنا لها هدفها جميعاً تجريد المملكة من دورها الرائد في العالم الإسلامي.كما أن هنالك هدفاً قرمطياً ثانياً لا يخفى وهو تحويل اتجاه الحج، على الأقل لدى الشيعة وخصوصاً من غير أتباع إيران، إلى مسار إلزامي يتعامل مرحلياً مع النجف، التي يسيطر عليها الآن عملاء إيران، بينما هدفه النهائي هو أن تصبح قم هي المقر المقدس للشيعة ككل، في استمرار لحملة «تفريس» المذهب الشيعي التي بدأت مرحلتها الأولى بنقل المرجعيات الدينية إلى قم ومحاربة المرجعيات العربية في النجف.وهم في ذلك لا يختلفون بشيء عن مجرمهم الأكبر أبوطاهر سليمان بن أبي سعيد الجنابي القرمطي الذي غزا البيت الحرام في موسم الحج سنة 312هـ وقتل أكثر من 30 ألفاً من الحجيج واختطف الحجر الأسود وبنى له بناء في القطيف وألزم الناس بالحج والصلاة إليه 23 سنة قبل أن ينتقم الله منه، ويعود الحجر الأسود إلى موضعه الطبيعي في الكعبة المشرفة، مثلما لا يختلفون بشيء عن الشاه إسماعيل الصفوي مؤسس الدولة الصفوية الذي تآمر مع المجرم البرتغالي ألبوكيرك على غزو الحجاز وهدم الكعبة ونبش قبر الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين رضوان الله عليهم، ولا عن الخميني المقبور الذي أرسل المتفجرات والغازات السامة لتقتل حجاج بيت الله الحرام في البلد الحرام في الشهر الحرام.ولكننا في كل مرحلة من هذه المراحل كنا جنود الله الذين يرفعون راية التوحيد دفاعاً عن دينه ومقدساته، فكما كان تحالف أهل نجد والعراق سبباً في زوال القرامطة، وتحالف أهل الصومال واليمن سبباً في زوال تحالف إسماعيل وألبوكيرك، ها هو اليوم تحالف السعودية والإمارات والبحرين واليمن وأشقائهم يدك معاقل القرامزة الجدد وسيقضي بإذن الله على أحلامهم الصبيانية الخائبة ويحمي بيت الله الحرام من كل طامع أو واهم أو خائن.ولعل أبلغ رد عليهم هو ما قاله اللواء أحمد عسيري مستشار وزير الدفاع السعودي: «إن ما فشل فيه رأس الحية لن ينجح فيه ذيلها»، ولمن لم يفهم هذه العبارة جيداً من القرامزة الجدد، أقول شارحاً: إن «فيصل بن لبدة» مازال حياً، وأنجب كثيراً من أبناء بعضهم على الحد الجنوبي. و«افهم يا فهيم».