الكعبة المشرفة هي أهم مقصد لكل مسلم ومسلمة بل لكثيرين ممن يؤمنون بالله منذ سيدنا إبراهيم، وإبنه إسماعيل، عليهما السلام، حيث أقام سيدنا ابراهيم قواعد البيت، ولكن الكعبة أقدم من ذلك فهي أول بيت وضع للناس على الارض، لقوله تعالى «إِن أول بيت وضِع لِلناسِ للذِي بِبكة مباركاً وهدًى للعالمِين»، «سورة آل عمران: 96 - 97». ولذلك تهوي إليها عبر العصور وحتى اليوم وفي المستقبل أفئدة الناس استجابة لدعوة سيدنا إبراهيم كما جاء في القرآن الكريم في قول الله تعالى «ربنا إِني أسكنت مِن ذريتِي بِواد غيرِ ذِي زرع عِند بيتِك المحرمِ ربنا لِيقِيموا الصلاة فاجعل أفئِدةً من الناسِ تهوِي إِليهِم وارزقهم من الثمراتِ لعلهم يشكرون»، «سورة إبراهيم: 37»، هذه الاية الكريمة توضح أن الناس يقصدون الكعبة لثلاثة أهداف رئيسية لقول الله تعالي «وأذِن فِي الناسِ بِالحجِ يأتوك رِجالًا وعلى كلِ ضامِر يأتِين مِن كلِ فج عمِيق»، «سورة الحج: 27»، وهي تتمثل في، الأول، العبادة إستجابة لدعوة سيدنا ابراهيم عليه السلام بإيمان صادق كامن في النفس إعترافا بوحدانية الله وقدرته العظيمة. والثاني، أنه مناسبة ومكان للنشاط الاجتماعي والثقافي ولذلك كان يجتمع شعراء العرب كل عام في سوق عكاظ بمكة ويتسابقون في إلقاء القصائد ويطلق على الفائزين أصحاب المعلقات وتعلق حول الكعبة. والثالث، هو التجارة والبحث عن الرزق. وينبغي أن نشير الى أنه في مرحلة ما قبل الاسلام كان العرب يضعون الأصنام حول الكعبة بعد أن نسوا دعوة سيدنا إبراهيم للوحدانية، ولذا أشركوا بالله قليلا بنظرتهم للاصنام بانها تقربهم إلى الله، كما في قوله تعالى «والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى»، «سورة الزمر: 3».
الكعبة كرمز ديني وثقافي واقتصادي أثارت الحاقدين عليها وعلى العرب، وتساءلوا كيف يكون لهؤلاء العرب الفقراء في وسط الصحراء بيت لله، ويذهب إليه الناس من مختلف بقاع الأرض، ولهذا قرر إبرهة الحبشي المسيطر على اليمن في ذلك التاريخ أن يقوم بحملة على الكعبة لتدميرها، وينقل مكان العبادة لليمن ويحرم العرب من هذه المكانة العظيمة حقداً عليهم كما تفعل بعض الدول في هذا الزمان. ولكن الله هو الذي يحمي بيته، وذهب عبد المطلب جد النبي إلى إبرهة ولم يتحدث معه عن الكعبة بل طلب منه أن يعيد إليه أغنامه وإبله التي استولى عليها المعتدي في الطريق الى الكعبة، فدهش إبرهة وقال له: كيف تسألني عن إبلك وغنمك ولا تسألني عن البيت الذي جئت لتدميره وأنت تتولى سدنته. فأجابه عبد المطلب بإيمان عميق قائلاً إن «الغنم لي، وأما البيت فله رب يحميه». فاطمأن الطاغية المعتدي وترك إبل وغنم عبدالمطلب، وفي طريق العودة بلغ عبد المطلب الخبر الصادق أن ابرهة وجيشه وأفياله وهي مدرعات ودبابات ذلك العصر، دمروا وتشتت شملهم من الله لمقولة عبد المطلب ودعوته «فأرسل عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول»، «سورة الفيل». وهكذا صدق عبدالمطلب في إيمانه بأن للبيت رب يحميه.
وهكذا أود أن اطمئن الحوثيين وأنصارهم وأعوانهم الذين يزودونهم بالمال والسلاح بأنهم لن يستطيعوا أن يمسوا الكعبة بأذى، وإلا حاق بهم مثل ما حاق بأمثالهم من المعتدين والباغين طلاب الدنيا الذين ضربوها بالمنجنيق فعاقبهم الله عقاباً شديداً ولم يمكنهم من أهدافهم الدنيئة هم ومن ساندهم وأيدهم. وسوف يعلم الحاقدون والحاسدون أي منقلب ينقلبون. ونحن نعيش في هذه المرحلة التاريخية عصر الجاهلية والكفرالجديد باسم الإسلام، حيث تدمر «داعش» التراث الحضاري في سوريا والعراق وبعض المتطرفين من الدواعش السريين سعوا لتدمير حضارة مصر وتراثها الثقافي كما دمر بعضهم تمثال بوذا في أفغانستان. والتمثال كان أثر حضارياً ورمزاً دينياً لأصحابه. والمسلمون لم يمسوا أية معابد بل نهوا عن ذلك وحطموا الأصنام حول الكعبة لاستخدامها للعبادة، وأما غيرها من بلاد الحضارات القديمة مثل الهند وأفغانستان وبلاد الرافدين والشام ومصر وغيرها فلم يدمر المسلمون التماثيل، لأنها دلالة على إبداع الإنسان وتقدمه. وينبغي أن نذكر أن الخلفاء الراشدين نصحوا قادة جيوشهم ألا يمسوا طفلاً ولا شيخاً ولا أمراة ولا يقطعوا زرعاً ولا شجراً، ولا يعتدوا على راهب في صومعته. هذا هو إسلام الحضارة والتسامح الذي اعتنقه أصحاب رسول الله، أما الدواعش العلنيون أوالسريون فهم أعداء الإنسانية وهم من الحاقدين على العرب والإسلام الحنيف عبر العصور، وسيلاقون مصير إبرهة وحملته. وعلى كل مسلم ومسلمة أن يدافع عن مقدساته ولو بأضعف الإيمان، وهو الدعاء على المعتدين سراً وعلانية ومن لديه قوة وسلطة سياسية على تلك الأرض المقدسة فهو حاميها بإذن الله تعالى، وتساعده الدول الشقيقة من العرب والمسلمين وليطمئن الجميع أن الله حافظ بيته وسيدمر أعداءه كما فعل بعاد وثمود وإرم ذات العماد وغيرهم من الطغاة.
* باحث في الفكر السياسي الإسلامي والدراسات الاستراتيجية