توصل اللبنانيين إلى صيغة لحل مشكلة منصب الرئيس الذي ظل شاغراً نحو سنتين ونصف السنة يؤكد أنه لا يمكن لأي مشكلة أن تستمر من دون حل. وإذا تمكن اللبنانيون الذين يختلفون في تفاصيل التفاصيل بسبب تنوعهم واختلافهم في كثير من الأمور وبسبب سيطرة السياسة عليهم من حل هذه المشكلة وغيرها من المشكلات الصعبة سابقا، ولاحقاً بسبب انتخاب رئيس جديد، فهل يصعب علينا نحن في البحرين حل مشكلة هي بالقياس إلى المشكلات الأخرى التي تعاني منها الكثير من دول العالم صغيرة وبسيطة؟
مشكلتنا ليست عصية على الحل، وحلها يأتي بخفض سقف المطالب المبالغ فيها والنظر إلى الأمور بواقعية وبمعرفة واعية لما يجري في المنطقة من تطورات تتسارع بشكل غير طبيعي وتهدد كل دول وشعوب المنطقة. والأكيد أن الحكومة ستستجيب لأي مبادرة عاقلة تضع كل هذه الأمور في الحسبان وتقدم مصلحة الوطن على كل مصلحة.
المثير في أمر مشكلتنا هو أن معظم ما طالب به المواطنون قبل خمس سنوات ونيف تحقق، بينما كثير من المتبقي منه يتحقق حالياً، فالحكومة برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر، عملت طوال الفترة الماضية بنشاط لافت ولا تزال تعمل على حل العديد من الملفات المرتبطة بحياة المواطن، وخصوصاً ملف الإسكان، وهذا يعني أنه لم يعد لدى «المعارضة» ما تطالب به، وبالتالي فإن الاستمرار في النهج ذاته يؤكد أن المسألة ليست مسألة مطالب وزيادة حريات، وأن هناك ما هو خفي ولا يسمح بالتصريح به حالياً.
ليس من عاقل إلا ويقول كفى لأن الموافقة على الاستمرار في ذلك النهج السالب يعني التعاون على تدمير الوطن ومنجزاته والإساءة إلى تاريخه، لكن الأكيد أيضاً هو أنه لا يكفي قول كفى، وإنما لابد من العمل بجدية على ترجمة هذه الرغبة على أرض الواقع لنجتاز ما صرنا فيه وصار يعيق تحقيق الكثير من أحلامنا ويدفع بنا إلى آخر الصف.
مشكلتنا، مقارنة بمشكلات الآخرين، صغيرة وحلها سهل، وكل المطلوب هو النظر إلى الأمور بواقعية خصوصاً وأن طبيعة مجتمعنا الخليجي تختلف عن طبيعة المجتمعات الأخرى، العربية والعالمية، فما يتوفر في مجتمعاتنا الخليجية من فرص لرأب الصدع وحل المشكلات لا يتوفر في مجتمعات أخرى كثيرة. هنا يمكن حل الجزء الأكبر من المشكلة في زيارة ودية إلى القيادة، ويمكن حل ما تبقى منها في جلسات ودية أخرى أياً كان عنوانها.
ما حدث في لبنان أخيراً هو أن الجميع قرر التجاوز عن كل التصريحات التي سبق أن أدلى بها كل ذوي العلاقة بما فيها تلك التي ملخصها أن قائليها لا يعترفون بمجلس النواب رغم أنه أساس الخروج من المشكلة، وما حدث هو أن الجميع تجاوز عن مواقف الجميع بعد أن قرروا معاً أن الاستمرار في نفس الحال فيه مضرة كبيرة على الوطن وأنه لا بد من «رأس» للدولة في هذه الفترة الصعبة التي تمر بها المنطقة.
باختصار، ما فعله اللبنانيون هو أنهم اشتغلوا سياسة، أي أنهم استوعبوا أن الأمر يتطلب تقديم تنازلات والتجاوز عن كثير من الأمور كي يتمكنوا من التوصل إلى صيغة ترضي الجميع. إن السؤال الأهم الذي طرح في المناقشات التي شارك فيها المحللون السياسيون في العديد من الفضائيات التي غطت الحدث كان عن الكيفية التي يمكن للرئيس الجديد أن يحقق بها وعوده لمختلف الأطراف بالرغم من تناقضاتها، أما الجواب الذي اتفقوا عليه فكان أن بإمكانه أن يفي بكل وعوده لو «اشتغل سياسة»، وهو ما ينبغي أن نفعله نحن في البحرين لنحل مشكلتنا.