أن تشرك الدولة المجتمع المدني في صنع القرار من خلال وضع الخطط التنموية والتشاور في بعض التشريعات، ففي ذلك إشارة واضحة على مستوى التطور الحضاري الذي تتمتع به الدولة، حيث تقاس ديمقراطية أي دولة بجانب الحريات المتعددة بنشاط وأداء مؤسسات المجتمع المدني التي تعمل كمراقب ومدافع عن الحقوق والحريات بنزاهة، وبالطبع لا بد من أن تكون لهذه المؤسسات آليات وأدوات ودعم من الدولة التي يتم من خلالها التحرك بحرية. على الجانب الآخر على مؤسسات المجتمع المدني أن تتمتع بالشفافية وعدم تسييس القضايا الاجتماعية والاقتصادية وغيرها، أو المتاجرة بقضايا المرأة والطفولة، ولا بد وأن تكون أهداف هذه المؤسسات واضحة حيث تحقق الوحدة الوطنية ولا تخرج عن دورها الرئيس من تكوينها، وأن تكون سلطة خامسة حقيقية، لا تبتعد عن الأهداف السامية. مملكة البحرين بلد منفتح ومتسامح تتعدد فيه الأديان والمعتقدات، فهي قائمة على احترام الآخرين بالرغم من تباين ثقافة وشرائح من يعيش فيها من مواطنين ومقيمين. وما دامت مملكة البحرين تعترف بشراكة المجتمع المدني ولا تخرج عن إطار المعاهدات الدولية والاتفاقات، فلا بد من أن تكون هذه الشراكات واضحة من أجل وضع السياسات الداخلية والخطط الاستراتيجية التي تستهدف التطوير والإصلاح، ولا بد من أن تكون شراكات ناجحة إيجابية تحقق التقدم وتعكس الديمقراطية الحقيقية حتى وإن تعددت الأفكار أو تعارضت أحياناً مع بعض المقترحات.
المحامي فريد غازي -غني عن التعريف- قدم ورقة عمل في غاية الأهمية في المؤتمر الوطني الثالث للمرأة البحرينية «المرأة والقانون: مسيرة وإنجاز.. تحديات وتطلعات» عنوان الورقة كان «فاعلية مؤسسات المجتمع المدني في إصدار وتطبيق التشريعات الأسرية في مملكة البحرين» حيث تطرق فيها إلى عدة محاور منها، المحور الأول، التعريف بمنظمات المجتمع المدني وأهمية دورها في العمل التشريعي، أما المحور الآخر، فتطرق إلى تطبيقات عملية لمؤسسات المجتمع المدني في مجال إصدار وتفعيل التشريعات الأسرية والاجتماعية في مملكة البحرين.
مجمل الورقة التي قدمها المحامي فريد غازي تقول إن «للمجتمع المدني دوراً بارزاً في تعزيز الديمقراطية وترسيخ العمل التشاوري والتشاركي بين سلطات الدولة.. أيضاً.. أهمية التواصل المدني البرلماني في ظل شراكة حقيقية مؤطرة تحقيقاً للمصلحة العامة»، وهذه النقطة في غاية الأهمية، فالمشرع البحريني لا بد أن يضمن في تشريعاته مصلحة الفرد والمجتمع معاً، وليس مصلحة الدولة فقط، ولا تكون هذه التشريعات بعيدة عن المشاكل أو القضايا المحيطة بالمواطن، بل على الدولة أن تعطي مؤسسات المجتمع المدني الأدوات التي تعبر من خلالها عن احتياجات المجتمع.
من أهم التوصيات التي خرج بها المحامي فريد غازي برأيي، بجانب إصدار قانون أحكام الأسرة بشقه الجعفري، هي «العمل على تفعيل شراكة بين الدولة والمجتمع المدني تهدف إلى تدريب وبناء قدرات وإيجاد ثقافة الحوار والمسؤولية المشتركة.. إلى آخر التوصية» بالفعل متى ما تحققت هذه التوصية التي ارتكزت على مبدأين مهمين، هما، ثقافة الحوار والمسؤولية المشتركة، ستحقق الدولة الاستقرار والتنمية والتقدم والتطور والإصلاح، فلا تتقدم أي دولة دون استقرار المجتمع، واستقرار المجتمع يؤدي بالتأكيد إلى الاستقرار الأمني والاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
المجتمع المدني كان له دور واضح في إصدار الشق الأول من قانون أحكام الأسرة ومساعيه لا تنفك لإصدار الشق الثاني، وهذا دليل على الشراكة الحقيقية التي تهدف إلى سلام واستقرار داخلي، ودليل أيضاً على أن المجتمع المدني سلطة خامسة يستطيع أن يستخدم هذه الورقة للدفاع عن الحقوق خصوصاً القضايا الأسرية، والمثل يقول «كثر الدق يفج اللحام».