تجاوز الدين العام لمملكة البحرين 7 مليار دينار. وانتهجت المملكة نهجاً تقشفياً نظراً للظروف الاقتصادية الاستثنائية التي نعيشها حالياً، هذا النهج طال عدداً من السلع الغذائية الرئيسة مثل اللحوم، كما طال البنزين، وعدداً من الخدمات، التي كانت تقدمها الدولة مجاناً أو برسوم زهيدة، ناهيكم عن التصريحات والشائعات التي تفضي إلى وجود ضرائب القيمة المضافة ورسوم صحية وغيرها.
ورغم أن الشعب البحريني عبر عن استيائه من قرارات التقشف إلا أنه ارتضاها وتفهمها - رغماً عنه - لتفهمه لصعوبة الأوضاع التي تمر علينا، مؤمناً بأنه يجب أن يقف مع وطنه في هذه الظروف المريرة التي نمر بها. ولكن مضامين تقرير الرقابة المالية والإدارية، والهدر الذي تضمنه، يجعل المواطن يرى الموضوع بطريقة مختلفة، ويشعر بأن هناك تناقضاً بين التقشف من جهة، والهدر من جهة أخرى.
83 مليون دينار قيمة الهدر، وعدد كبير من المخالفات الإدارية، التي يشيب لها الشعر، ولا يستوعبها العقل، وهو أمر ليس بغريب، فالتقرير مع صدوره كل عام يجعلنا نحن المواطنين نشعر بالإحباط وارتفاع الضغط والقهر. والغريب في هذا التقرير أن عدد مخالفاته في تصاعد دائم، حيث إن صدور هذا التقرير وما سبقه، لم يردع المسؤولين كي يتوقفوا عن ارتكاب المخالفات.
لا نريد أن نأخذ دور السلطة القضائية التي نؤمن إيماناً مطلق بنزاهتها، حيث كشف النائب العام د.علي البوعينين، عن إن النيابة العامة شكلت فريق عمل مكون من 4 رؤساء ووكلاء نيابة يرأسهم محامٍ عام يعملون على التقرير منذ تلقيه، وأنهم بانتظار تحويل أي قضية فيها شبهة جنائية للنظر والبت فيها.
وكم نتمنى نحن المواطنين أن يعاقب المخالف عقاباً رادعاً كي يكون عبره لأي مسؤول تسول له نفسه التلاعب بالمال العام أو التلاعب الإداري.
من الرائع جداً أن يكون لدينا تقرير يراقب الأداء المالي والإداري، ولكن الأروع أن تكون هناك إجراءات لما بعد رصد المخالفات، لكي لا يكون هذا التقرير مثل الشخص الذي يثبت كاميرات إنذار ضد السرقات، ويتعرض للسرقة بين الفينة والأخرى، ولا يقوم بأي ردة فعل سوى أنه يشاهد فيديو دخول السارق إلى منزله في كل مرة، ويرصد المسروقات وحسب!
التقرير في حد ذاته أداة رقابية ممتازة، ولكن ما بعد صدور التقرير هو الأهم، عندما أعلم بأن هناك مخالفات ترقى لمستوى الجرائم الجنائية. عندما أعرف وأرصد مخالفات إدارية تضرب بالقوانين عرض الحائط يجب أن يكون لي دور فيما بعد الرصد.
لن أتكلم عن المخالفات فالصحف أبدعت وتفننت في عناوينها وطريقة سرد كل مخالفة. ولكني أأمل مثل آلاف غيري من المواطنين بأن تؤخذ بعين الاعتبار كل المخالفات الواردة في التقرير، ويتم معاقبة المخالف. وكما هو تقرير الرقابة المالية والإدارية شفاف وواضح وعادل، نأمل أن يكون عقاب مرتكبي هذه المخالفات شفاف وواضح وعادل. لكي لا نقول إن لدينا تقريراً يرصد المخالفات وحسب، بل لكي نؤكد بأن هناك آلية متواصلة تحاسب مرتكبي هذه المخالفات.
83 مليون دينار نريدها أن ترجع لميزانية الدولة كما أخذت بغير وجه حق.. 83 مليون دينار نحن في حاجة ماسة لها في ظل هذه الظروف. فكما تحصل الدولة رسومها وتعاقب المخالفين حتى على أبسط المخالفات نريد أن نرى محاسبة لهؤلاء الذين أهدروا المال العام.
بعض المسؤولين لا يخشون تقرير الرقابة وسيظهر لنا بعضهم ليبرر لنا أسباب مخالفته وسيسود الصمت كالعادة وسننسى مثل كل سنة.
في إحدى المرات، أوقفني أحد رجال المرور، وأعطاني مخالفة، لأنني كنت أستخدم الهاتف، وعندما قلت له إنها مكالمة مهمة جداً، ومتعلقة بظرف إنساني استثنائي، لم يراعِ كل هذه الأعذار، وقام بواجبه في إصدار وتحرير مخالفة لي. لا ألوم رجل المرور مطلقاً لأنه قام بواجبه، وقمت بتحمل مسؤولية المخالفة التي ارتكبتها، رغم أن أعذاري كانت في غاية المنطق والإنسانية ليس لسبب سوى أنني أؤمن بأن البحرين هي دولة المؤسسات والقانون، وبأنه لا أحد فوق القانون.