الوتر الجديد الذي بدأ ذلك البعض يعزف عليه أخيراً هو أن من لا يقف معه -وإن لم يقف مع الآخر- فإنه يكون قد اعتدى على الحق، فهو يعتبر أن الحق معه هو فقط، بل يعتبر نفسه الحق وكل الحق، أما إن وقف مع الحكومة -وإن كانت الحكومة على حق وكان ذلك الحق بيناً- فهذا يعني أنه انحاز للظلم وصار ظالماً وعليه أن يحتمل العقاب الشديد من رب العالمين. بهذا الطرح الباهت يتم الضحك على ذقون البسطاء الذين أوهموهم أن الحق لا يمكن أن يكون مع الآخر، أياً كان ذلك الآخر، وأياً كانت الظروف، وأن الحق فقط يكون مع ذلك البعض، وأن من يريد أن يصير ظالما فليقف مع الآخر ولو بكلمة، خصوصاً إن كان الآخر هو الحكومة، بل إن ذلك البعض يعتبر السكوت والحياد وقوفاً مع الآخر ووقوفاً مع الظلم ضد الحق.
الأمر يبدو وكأن ذلك البعض قد استحوذ على تذاكر الجنة، فمن يؤيده ويسانده ولا ينتقده أو ينبهه إلى أخطائه يحصل على تذكرة لدخول الجنة مختومة بالختم الذي لا يتوفر إلا عنده، أما من لا يؤيده أو ينتقده ولو بلطف فإنه لا يحصل على تذكرة لدخول الجنة مهما فعل. بعض ذلك البعض يزعم بصوت عالٍ أن كل فعل أو كلام يعزز من موقف الحكومة وإن كان مستنداً إلى حقائق ووقائع هو وقوع في الحرام المفضي إلى النار ويصنف فاعله أو قائله في خانة الظالمين!
المؤسف أن هذا الكلام ليس ادعاء ولكنه حقيقة وواقع، ومن يتابع ما يقوله ذلك البعض في الفضائيات «السوسة» وما ينشره من تغريدات ويدبج من مقالات تنشر في بعض المواقع الإلكترونية يسهل عليه تبين هذا الأمر، فذلك البعض مهتم جداً بنشر هذه «القناعة»، فمن يريد أن يتقي النار التي «وقودها الناس والحجارة» فليس عليه سوى أن يتحول من «معسكر الحكومة» أو «معسكر الصمت» إلى «معسكر ذلك البعض» ويقول بما يقوله وإلا يكون قد اختار لنفسه طريق الهلاك واصطف مع الظالمين وصار من الخاسرين.
ليس من يقول كلمة الحق ويدافع عن الحكومة -أو عن أي طرف- طالما أنها على حق هو من يمارس الظلم، ولكن من تسبب في أذى الناس بتصرفه الطائش هو الظالم. ظلم ذلك البعض وقع على الشباب الذين أغواهم ليكونوا أداة يحارب بها فكان مصيرهم الموت أو السجن، ووقع على أهاليهم الذين عانوا ويعانون من فراقهم، ووقع على الناس الذين من حقهم أن يشعروا بالأمان وهم يستخدمون الشوارع التي يؤكد الشرع عدم جواز تعطليها، ووقع على كل من أجبر على أن يتخذ موقفاً موجباً من ذلك البعض اتقاء لمزيد من ظلمه.
ما قام به ذلك البعض الذي اعتبر نفسه «معارضة» خلال السنوات الخمس الماضيات ظلم به نفسه والوطن، يكفي أنه اعتبر نفسه ممثلاً للجميع من دون أن يستشيرهم أو يحصل على موافقتهم، فما حدث في الرابع عشر من فبراير 2011 كان قرار البعض وليس قرار الكل، ولولا هذا لما وقع في كل تلك الأخطاء ولما تحمل وزر من ظلمهم من المواطنين والمقيمين، ووزر ظلم الوطن.
نشر المزاعم بأن الحق مع هذا البعض دون غيره وأن الظلم هو في الوقوف مع الحكومة وإن كانت على حق مسألة المراد منها الضحك على الذقون واستغلال البسطاء الذين لن يكتشفوا أنهم كانوا مجرد أدوات إلا بعد أن يفوت الفوت.
ما يقوم به ذلك البعض ليس إلا ضحكاً على ذقن الحق.