نعم لدينا هوية خليجية لها حق علينا أن نحميها وأن نفاخر بها ونعتز بها ونغرسها في نفوس أبنائنا ووجدانهم.
نعم لدينا لباس ولهجة وتراث مشترك ولدينا روابط دم ولدينا كل مقومات الهوية الخاصة.
لا يقف ولا يمنع ولا يحجب اعتزازنا بهويتنا الخليجية أمام امتدادنا العربي، أبداً كما لا يحول هذا التفاخر بها بين انتمائنا لدين المسلمين، إنما العكس صحيح،
بمعنى أن الهويات العامة الكبرى الواسعة الشمولية كالقومية والدينية طالما فرضت علينا التخلي عن هوياتنا الخاصة من أجل الانصهار في البوتقة الكبرى قومية كانت تلك البوتقة أو دينية، في حين أن هويتنا الخاصة أكدت على ذلك الانتماء الكبير وفرضته كجزء من المكون الخاص الذي شكلها.
من قاد الهويات الكبرى في عالمنا العربي جاء من شمالنا العربي، فتخلقت الفكر القومي شامياً وكذلك البعثي وتخلق الفكر الديني الشمولي مصرياً وغيرها من أيدلوجيات شاملة بنيت كلها على نفي وإقصاء وإنكار أي خاصية لشعوب الجزيرة، فكان على الخليجي أن يخلع عقاله كي يقبل في رحاب تلك الانتماءات.
مرت مياه عديدة تحت جسور تلك الانتماءات وأثبتت دولنا الخليجية أنها بذاتها تستطيع أن تكون انتماءً ومقراً ومهتدى لا لأبنائها فحسب، بل للعرب العاربة والمستعربة، بل من أجل الانتماء لها تخلى العديد من أبناء القوميات الأجنبية عن أصولهم رغبة في الانصهار والاندماج هنا معنا.
اليوم علينا أن نعيد الاعتبار لما ازدريناه دهراً إرضاءً لقيادات قومية أو مذهبية ضيقة، اليوم علينا أن نعيد الاعتبار للعقال الذي اعتقدنا يوماً أنه رمز للتخلف والرجعية كما قيل لنا، للهجة الخليجية ولكل ما له علاقة بهويتنا الخاصة.
لنا الحق أن نفتخر بما أنجزناه كخليجيين ولنا الحق أن نعتز بمكتسباتنا الإنسانية الحضارية التي بنيناها عصرياً قبل النفط وبعده، وكيف أدرنا ثرواتنا وجعلنا دولنا محطة لكل الهاربين اللاجئين الفارين من قسوة الحياة، لنا الحق أن نعتز بقصة نجاحنا وبصمودنا في ظل جميع أنواع التحديات.
نحن لا ننغلق ولا ننكفئ على أنفسنا حين نعتز بتلك الهوية الخاصة، بل بالعكس نحن نقوي القاعدة التي سنبني عليها جسورنا الممتدة إلى الجميع لنتواصل معهم.
تلك مهمة يجب أن تطلع بها دولنا وتتحمل مسؤوليتها بكامل أجهزتها ومؤسساتها ومنظومتها التشريعية، علينا أن نعيد الاعتبار لتلك الهوية بالتوعية وبالقانون وبالإلزام وبكل ما أوتينا من قوة ومن رباط.
من أراد بنا شراً سيبدأ يفتح الثغرات علينا من هنا من نزع هويتنا من وجداننا حتى نصبح مسخاً قابلاً للاستقطاب لمن يستدرجه.
معالجة هذه التشوهات الخلقية في هويتنا فهذا تركي الهوى وذاك فارسي القلب وهذا أفغاني المظهر وذاك غربي الطباع والتفكير، فماذا بقي لنا؟
الحفاظ على هويتنا الخليجية مهمة يكلف بها المجتمع الدولة كي تحمل أعباءها، فلا يترك للبيت فقط تلك المهمة ولا تتحملها وزارة التربية والإعلام فحسب، بل هي مهمة دولة بكافة أجهزتها ولابد أن تحركها جهة مركزية.