يقول أحد الأطباء: «عجباً من تصرفات الأهل، في سلوكهم وأفكارهم، فإنهم يشترون الحلوى والسكريات لأبنائهم بكل حب ورضا في المقابل يستنكرون ويرفضون ممارساتهم لتدخين السجائر، فهم لا يدرون أن السكاكر مفعولها السلبي على الصحة وآثارها الجانبية يفوق بكثير مفعول السجائر والتدخين».
ولكن عزائي الوحيد والذي يحمي هؤلاء الناس من حالة الاستياء التي يبديها هذا الطبيب، حيث ذكر صراحة «أن الناس لا يدرون» يعني يمتلكون الحجة وهي «عدم المعرفة»، ولكن تبقى الملامة على من يدري ويطنش.
فحال بعض الناس مع معرفتهم لخطورة السكر، كما حالهم مع ما يدور في حياتهم من تصرفات. وإن كان السكر من طبعه أن يغير المذاق من المر إلى الحلو ليستسيغ له المزاج إلا أنهم لديهم قدرات صاروخية في تعكير صفو حلاوة الوقت إلى مرارة، وحججهم دائماً متأرجحة بين «ما أدري»، و»ما كنت أعرف»، «وما عندي خبر»، «وما كنت أقصد»، و»لا كان بقصدي»، وغيرها من الجمل والعبارات الكثيرة التي نتسلح بها كي نتهرب من فظاعة الموقف، وكأن جميع المواقف المؤلمة التي تصدر من البعض تسقط سهواً وغير قابلة للقصد. هنا والد يحاول أن يسند ولده الشاب في سيره بطريقة غير ملفتة في إحدى المجمعات التجارية، وإذا به يسمع رجل من الخلف يقول له: خليه بروحه صار شاب شو هو أعمى ما يشوف؟! ليرد عليه الوالد بكل أدب، صدقت أنه كفيف البصر؟ لتنهال عبارات الأسف من الرجل وأنه ما كان يدري ولا يقصد.
وجارة سمعت عن أن ابنة جارتها تقدم لها عريساً، فتوجهت مسرعة للأم ناقلة لها أخباراً لا تسر القلب والخاطر، وعندما سألتها عن مصدر هذه المعلومات كان الجواب: «لا أدري!! هيك سمعت»، وكأن هاتفاً جاءها في المنام محدثاً لها عن سلوكيات هذا الخطيب المتقدم!!
أم تنتظر دورها مع طفلها في عيادة الأطفال، حاولت سيدة أن تتكلم مع الطفل لكنه عبثاً لم يعيرها اهتماماً، وبعد فشل السيدة بعدة محاولات توجهت للأم سائلة: «شو أطرش ولدك.. ما يرد؟»، نظرت لها الأم وابتسامة صفراء تعلو وجهها قائلة لها: «نعم أنه أصم»، ليكون رد السيدة كسرعة البرق.. «أووه ما كنت أدري».
فتاة تشتري الملابس، ترتديها، وتحضر بها مناسبات متعددة، ومن ثم تقوم بإرجاعها إلى المحل لردها أو استبدالها.. وأيضاً الجواب، «أنني لا أقصد الغش» ولكن الاستفادة طالما أنه بالإمكان إرجاعها.. حقيقة فمثل هذا الموقف لا يعتبر شطارة وإنما غش بطريقة مغلفة. والسؤال الذي يطرح نفسه، متى نصحو من غفلة «لا أقصد» و»لا أدري» و»ما كنت أعرف»، ونحكم عقولنا بتصرفاتنا ونتريث قبل أن نتفوه بكلمات مرة كالعلقم؟! فليس كل مرة أنت بحاجة أن تدري كي تدرك.