بعد كميات الفساد والتجاوزات التي طرحها تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية في تقريره للعام 2015-2016 يكون من الطبيعي جداً أن تتخذ الحكومة هذه المرة إجراءات حازمة وصارمة ضد كل من سوَّلت أو تسوِّل له نفسه العبث بمقدرات الشعب والدولة حين يكون أحد المؤتمنين عليها هو الخائن والسارق، فالملايين التي «طارت» على أوهام وعلى مشاريع غير ناجزة أو أنها صُرفت على أشخاصٍ لا يستحقونها أصلاً، وما إلى ذلك من عناوين الفساد المختلفة يجب أن تعود إلى خزانة الدولة في هذه المرحلة التي تشهد أزمة اقتصادية رسمية خانقة، وحين لن تعود كل هذه المقدرات المليونية لمكانها السابق فإن التقرير السنوي لا معنى له على الإطلاق وأن كل ما قيل عنه وما سيقال لا يتعدى كونه أخبار صحفٍ وحديث مجالس.
يبدو أن الحكومة هذه المرة جادة لحد ما - وهذا ما نتمناه - في ملاحقة كل المتجاوزين، كما نتمنى تطبيق التوجيهات التي أطلقها سمو رئيس الوزراء في هذا الخصوص والتي تدفع باتجاه محاسبة كل مقصر ومفسد مهماً علا منصبه، فقد ورد في الخبر أن «صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء شدد على ضرورة التعامل بحزم مع التجاوزات والمخالفات التي أوردها ديوان الرقابة المالية والإدارية وتفعيل مبادئ المحاسبة والشفافية مع المتجاوزين والمخالفين»، موجهاً سموه «الجهات الحكومية الخاضعة لرقابة ديوان الرقابة المالية والإدارية إلى معالجة المخالفات والملاحظات وتصويبها على الفور»، وكلف سموه «فريقاً حكومياً برئاسة سعادة وزير شؤون مجلس الوزراء بدراسة الملاحظات الجوهرية والتوصيات التي أوردها ديوان الرقابة المالية والإدارية في تقريره السنوي 2015-2016 والتعامل معها بما تستوجبه ضرورة وواجب الرقابة الذي تعتمده الحكومة مع كافة أجهزتها»، وفي هذا الصدد فقد وجه سمو ولي العهد إلى «التحقيق الفوري بالحالات التي تحمل شبهة جنائية وتحويلها إلى النيابة العامة والسلطة القضائية ليتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيالها بالإضافة إلى مباشرة الإجراءات بالحالات التي تتطلب تحقيقاً داخلياً لاتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة، وذلك ضمن الخطوات الهادفة إلى معالجة المخالفات والملاحظات وتصويبها على الفور».
هذه القرارات هي التي يجب أن تكون عنوان المرحلة القادمة التي لابد أن تُواجَه بكل صراحة وصرامة، فالملايين التي ذهبت على أوهام فاسدة كانت الدولة في أمسِّ الحاجة إليها في هذه الظروف الحالكة والصعبة على صعيد تعثر الاقتصاد الوطني، ولو صُرِفتْ تلكم الأموال الضائعة في مكانها الصحيح لما احتاجت الدولة اليوم أن تقوم ببعض الإجراءات التقشفية التي باتت تضغط على حياة الناس ومعيشتهم بسبب فساد أشخاص قضوا على الملايين في مشاريع غير نافعة أو أنها صرفت على أشخاص لا يستحقونها، ولهذا فإن وقت الحساب قد حان ومن لا يقول غير ذلك فإننا نعتبره شريكاً حقيقياً للمفسدين، فالصرامة في هذه الظروف تعني أننا نقدم درساً للأجيال القادمة نقول في مختصره أن مقدرات الشعب يجب أن تكون مصانة وفي أيدٍ أمينة وإلَّا....