لم تكن البحرين أبداً ولن تكون أرضاً للفرقة والخصام، فأرض دلمون التي كانت رمزاً للسلام، ومسعى للخلود في بعض الحضارات، تميزت بأن ساكنيها أناس هدفهم الدائم العيش بسلام، ومد جسور التقارب والصداقة مع الجميع.
على هذه الأسس القوية بنت البحرين حضارتها، وحافظ حكامها على هويتها كأرض محبة وسلام، واليوم هي تمضي بقوة في هذا الاتجاه، لا تأثراً بمتغيرات خارجية، أو نمط يتعزز في الغرب، بل لأن البحرين في أصالتها التسامح وحب الجميع.
جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين حفظه الله، أبرز شخصية بحرينية تقدم لنا أمثلة رائعة وراقية على التسامح والتقارب وحب الناس، وكلمته في يوم التسامح العالمي تمضي لتؤكد دائماً على هذه المبادئ الإنسانية السامية.
من راقب المتغيرات التي شهدتها البحرين والأحداث التي مرت بها، كان العنوان الفارق في كل هذه الأمور يتمثل بـ «تسامح حمد بن عيسى»، الرجل الذي يملك القوة والصلاحية في اتخاذ الخطوات التي يراها مناسبة للحفاظ على أمن بلاده، لكنه أبداً لم يتعامل مع الظروف ومع الأشخاص الذين استغلوها لضرب البحرين، لم يتعامل معهم مثلما يفعل كثيرون حول العالم، بل تعامل بكل «تسامح وعفو».
تذكرون عدد مرات العفو الملكي الذي صدر عن جلالته، وبعضها حالات كان الناس يستغربون منها، لأنهم كانوا يطلبون عدم التساهل مع المسيئين، لكن حمد بن عيسى حينها كان يريد تقديم درس رفيع المستوى لجميع أبنائه البحرينيين، تمثل بأن «العفو» عند المقدرة يمثل أعلى مراتب القوة، بأن «التسامح» مع أبناء بلاده يأتي من قناعة «الأب» بأن الخير موجود في الجميع، وأنه لو ضل بعضهم الطريق، ولو تأثر بعضهم بأفكار يسوقها أناس مرضى الأنفس والضمائر وأصحاب أجندات، فإنه رغم ذلك يبقى المغرر بهم «أبناءه»، يظل هؤلاء أبناء البحرين، ووالدهم ورمزهم الأول هو جلالة الملك.
هذه ليست أخلاقيات جديدة على البحرين وقيادتها، بل هي تمثل بأخلاق ديننا السمح، وتأسٍّ بصفات رسولنا الكريم صلوات الله عليه، فهو الذي قدم لنا الدرس الأول في «التسامح» حينما دخل مكة المكرمة فاتحاً، فلم ينتقم لمن آذوه وحاولوا قتله، بل قال لهم بكل «تسامح» ورغبة في تغيير نفوسهم إلى الأفضل، قال لهم «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، وكان لهذا التعامل تأثيره البليغ ووقعه الكبير على نفوس الكثيرين، فتحول أعتى الأعداء إلى أقوى الأصدقاء والأقرباء.
هذه هي روح التسامح التي تجسدها البحرين، والتي تنبع من صميم ركائز المشروع الإصلاحي لجلالة الملك.
نقول في البحرين الحمد لله أنَّ لدينا رجلاً يتعامل مع الجميع بـ «أبوية» راقية المستوى، رجلاً مثل حمد بن عيسى يقدم الحلم والتسامح والعفو قبل العقاب، مثل هذا الإنسان تستحق أن تصفق له إعجاباً، بل يجب أن تفخر به كونه قائدك وملكك والأهم والدك الذي تثق في عفوه وحلمه ورفعة أخلاقه.
لم تكن ثقافة التسامح فقط هدفاً داخلياً لدى جلالة الملك، بل البحرين التي هي الدولة الحديثة القائمة على إرث حضارات عريقة كأوال وتايلوس ودلمون، يفترض بأن تكون هي مصدر إشعاع للمحبة والتسامح والصداقة، مثلما كانت الحضارات السابقة على هذه الأرض الطيبة.
بالتالي إشعاعنا الداخلي في هذا الجانب، لا بد أن يكون له انعكاسه على الخارج، وعلى المحيط حولنا، بالتالي كانت مبادرات التسامح وحوار الأديان وفعاليات المحبة والصداقة التي دشنها جلالة الملك وباركها، فرأينا كيف احتضنت البحرين مؤتمر الحوار الإسلامي المسيحي في عام 2002 وفي بدايات المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، ومضت لتنظيم الفعاليات المختلفة على نفس النمط والخط، مثل منتدى حوار الحضارات في 2008 ومؤتمر حوار الحضارات والثقافات عام 2014، دون أن ننسى «حوار المنامة» السنوي، والذي إن كان ذا صبغة سياسية، إلا أن هدفه أكبر وأسمى يتمثل بتجمع البشر من حول العالم، وتحاورهم في إطار العلاقات والصداقات والتعاون المشترك.
إن كان من فخر لنا كبحرينيين اليوم، فهو حمد بن عيسى حفظه الله وأطال في عمره وسدد خطواته، فهو رمز التسامح والمحبة والعفو.