الأمن والحروب غير التقليدية على عاتقها مسؤولية حماية الدولة من السقوط تماماً كما تحمل قواتنا العسكرية وجيوشنا مسؤولية حماية الدولة من الغزو بل أكثر من ذلك.
فلم تعد التهديدات التي تواجهها دولنا الخليجية تأتي من غزو خارجي فحسب، بل هي تهديدات غير تقليدية ذات طابع محلي صرف، الغزاة اليوم ليسوا جيوشاً نظامية يأتون من الخارج، والتهديدات اليوم ليست طائرات ودبابات ومدرعات وأساطيل بحرية، التهديدات اليوم تأتي من تنظيمات مسلحة محلية يتم تدريبها وتهريب السلاح لها لتغزونا من الداخل، والأسلحة المهربة لا تقل في خطورتها عن أي سلاح تستخدمه الجيوش التقليدية، فقوة أي من المتفجرات التي تمت مصادرتها في البحرين في الأعوام الأخيرة على سبيل المثال تعادل قوة انفجار صواريخ أو ألغام أو قذائف مدفعية.
فإن كانت حروبنا ليست حروباً تقليدية فليس الاستعداد لها بقبة صاروخية وكاسحات ألغام وطائرات أف 16 و 18 وتوريندو وووو فحسب، مما تريد الدول الغربية أن تبيعه علينا لتشغيل مصانعها وإيجاد من صفقات بيعها وظائف لعمالتها، حروبنا اليوم غير تقليدية وغزونا غير تقليدي، لذلك فاستعدادانا لمواجهتها لا بد أن يكون بقوات خاصة مدربة تدريباً عالياً، وتغطية لسواحلنا ولمنافذنا، وتقوية لأجهزة استخباراتنا التي لابد لها تنشط لكشف تلك الخلايا قبل أن تتحرك.
من يريد أن يغزونا اليوم سيعتمد على خونة من الداخل يهرب لهم السلاح ويدربهم وينظم عملهم ويدعمهم لوجستياً، من يريد أن يغزونا اليوم سيدخل إلى عقول شبابنا أولاً ويقنعها أنهم في مهمة مقدسة، ثم يعمل على تضليل المجتمع الدولي عن الأهداف الحقيقية لتلك التنظميات، بجناح مدني يساند تلك التنظميات المسلحة، جناح إعلامي وسياسي وحقوقي ودعوي ديني يجوب العالم على نفقة من درب التنظميات المسلحة كما نشرت أخبار الخليج بالأمس تفاصيل عن تمويل الجناح الحقوقي والسياسي من قبل الحرس الثوري الإيراني وهو ذاته الذي درب التنظميات المسلحة، إنما مهمة تضليل الرأي العام الدولة كي تتقيد الأجهزة الأمنية المحلية في وظيفتها، فتسرح تلك التنظميات في الميادين المحلية وتجهز على الدولة بفوضاها واضطراباتها الأمنية، حتى إذا ما انهارت من الدخل سهل غزوها من الخارج واستبدال نظامها. ولو لم تكن أجهزتنا ومؤسساتنا الأمنية على قدر من الإعداد والتأهيل العالي لوقعت البحرين في قبضة تلك التنظيمات الإرهابية، ولا ينكر أحد أن التجربة التي مررنا بها كشفت عن ضعف الإعداد السابق، لتلك الأجهزة قياساً بالمواجهات التي فاجأتها، وإعدادها كان بما يتناسب مع مهامها السابقة المحصورة في مطاردة الجرائم التقليدية، لتجد نفسها فجأة في مواجهة تنظيمات مسلحة ومدربة وأمام كميات مكدسة من الأسلحة التي مرت من ثغرات أمنية لم تحسب حسابها.
لكن بفضل من الله ووعي رجال الأمن استطاعت أجهزتنا الأمنية أن تلحق بما تتطلبه المرحلة من إعداد وتأهيل وتدريب كي تكون على مستوى يليق بمهامها الجديدة ومستوى يعلم ويفيد من يطلب المعونة.
وما لمسناه من الجاهزية الأمنية البحرينية في التدريب الأول من نوعه لأجهزة الأمن الخليجية مؤخراً، كان مستوى مشرفاً صقلته التجربة والمعايشة الحية، فهذه القوات واجهت حرباً للشوارع وقدمت أرواحاً فداءً لهذه الأرض ودفعت ثمنها غالياً كي تصل إلى ما وصلت إليه.
وعلى من تسول له نفسه اليوم بالمساس بأمننا، أن يعلم أن تلك الأجهزة الآن ليست كما كانت عليه قبل خمس سنوات، وأن درجة التنسيق والتعاون والعمل الخليجي المشترك بين الأجهزة الأمنية الخليجية الآن ليست كما كانت عليه قبل هذا التدريب، فمن يفكر بأن يمس أمننا من الداخل عليه أن يأخذ في الاعتبار أنه سيواجه جيشاً أمنياً خليجياً لا قوات عسكرية لدرع الجزيرة فحسب، والفرق في الجاهزية يعرفه من يدرب خونة الوطن ويعدهم ويهرب السلاح لهم.