«في بداية عام 1983حينما أصبح الشتاء في عنفوانه، قام الأستاذ عمر التلمساني مرشد الإخوان آنذاك بدعوة عدد من أبناء الحركة الإسلامية من العاملين بالمحاماة كي يستأنس برأيهم في شأن وضع حجر الأساس للحركة الإسلامية بعمومها في نقابة المحامين» صفحة 32 من كتاب «قلب الإخوان محاكم تفتيش الجماعة» لثروت الخرباوي.
سأنطلق من هذه الفقرة لطرح عدة أسئلة تفتح نافذة للنقاش وهي لم تفكر حركة «دعوية» بدأت وانتشرت لتتمم مكارم الأخلاق خلفاً لرسالة نبيها محمد عليه أفضل الصلاة والسلام بحجر للأساس في حركة مهنية واتحاد نوعي معني بتطوير مهنة ما؟
هل كان ذلك الاجتماع تحولاً في مسار الحركة الدعوية؟ أم كانت الفكرة موجودة في ذهن مؤسسها حسن البنا ولم يمهله القدر لتنفيذها فتولاها التلمساني حين استلم دفة القيادة؟
قبل ذلك الاجتماع كانت الحركة الإخوانية قد تحولت على يد سيد قطب من حركة دعوية إلى تنظيم سري وتعرضت لضربة قاصمة أمضى فيها العديد من أعضاء التنظيم سنين طويلة في السجن بتهم للقتل خطيرة قام بها التنظيم السري للإخوان متأثرين بالأفكار «القطبية» التي نشرها سيد قطب والقائمة على فكرة الحاكمية وهي في النهاية قيام دولة هو يحدد لونها الإسلامي على أنقاض الدولة القائمة حين ذاك، أما كيفية ذلك فقد رسم سيد قطب طريق تأسيس جيش التنظيم، بالانتقاء والتجنيد والتجييش، فواجهت الحركة الدولة بمواجهات صادمة مسلحة، وكشف وقتها عن تحول الحركة إلى «تنظيم» يجيز حمل السلاح ويجيز الحرب مع المجتمع الجاهلي.
خرج آخر عضو من الجماعة من السجن عام 1975 وقيل وقتها إن المرشد الهضييبي تبرأ من التنظيم السري المسلح وكتب كتابه المشهور «دعاة لا قضاة».
حتى دعا التلمساني لاجتماع من أجل وضع حجر أساس للحركة في نقابة المحامين، أي أننا عدنا بالحركة إلى تنظيمها من جديد تنظيماً مؤسسياً قد لا يتواجه مع الدولة إنما يدخل في مفاصلها، فحجر أساس لأي جماعة في نقابة مهنية للحركة، تتحدث إذاً عن السلطة مرة أخرى إنما بجناح غير مسلح نتحدث عن مواجهة مع الدولة القائمة إنما عن طريق مسك مفاصلها واحد تلو الآخر نحن نتحدث إذاً عن إدارة جزء من الدولة يبدأ بهذه النقابة وينتهي بالإمساك بمفاصل صنع القرار فيها بنقابات أخرى، ذلك اتجاه لا علاقة له بالدعوة من جديد لذلك اعترض العديد من المدعوين ممن فطن للتحول في التكتيك فقط مع استمرار ذات الهدف وهو الوصول للحكم!!
في نهاية المطاف تتشابه ظروف الجماعات الدينية بأنواعها في خروجها من عباءة الدعوة إلى عباءة السلطة، سنية كانت تلك الجماعة أم شيعية ذلك قرار لا يعلم به الشبيبة ولا أولياء أمورهم، الذين يرسلون أبناءهم للهداية وتعلم مكارم الأخلاق، تلك أهداف لا يناقشها التنظيم علناً ومنذ البداية حتى يكون المنخرطون منهم على علم بما سيجندون مستقبلاً فيكون لهم القرار على بينة.
كذلك فعل حزب الدعوة الشيعي حيث يستقبل الأطفال والشباب في عمر مبكر ويعمل على لم شملهم بأنشطة رياضية وترفيهية وجذب اهتمامهم برعايتهم والاحتفاء بهم ثم تبدأ بعد ذلك السلسلة «القطبية» انتقاء، فتجنيد للتجييش، حينها يصعب الانفكاك من القيد، هنا يبدأ استلاب الفرد وخطفه من أسرته فيصبح أسيراً للتنظيم يتنافس مع أقرانه على التفاني في خدمة «الكبير» منهم دون أن يعلم هو أو أبوه أو أمه إنما يهيئ ابنهم لغرض مستقبلي لدور ما في صراع السلطة.
توزيعهم بعد مرحلة « الانتقاء» للجناح المناسب لهم ما هو سوى عملية إدارة للموارد البشرية لأهداف الكبار، وسواء تم اختيار الفرد لجناح عسكري أو سياسي أو مدني في أي قطاع لن يغير من كونه بيدقاً وحجراً على رقعة الشطرنج يحركها مرشد عام أو أعلى لا فرق.
لن نطالب تلك الحركات أن تكون صادقة مع المجتمع وتفصح عن أهدافها منذ البداية حتى يعرف أولياء الأمور مآل ومصير أبنائهم، فذلك طلب مستحيل، بل نطالب أولياء الأمور بالاطلاع والقراءة والفهم والاستيعاب ومن بعد ذلك عليهم أن يختاروا على بينة إن كانوا لا يمانعون من بيع أطفالهم أو رفض تسليمهم، فتلك الجماعات لا تعلم أبناءهم الأخلاق وحسن التربية فحسب إنما تعده ليوم يدعونه لعقد اجتماع ويطلبون منه ترك هاتفه خارج الغرفة!!