لا أحد يستطيع نكران الأرقام الكبيرة للعاطلين عن العمل في البحرين، وهذه الأرقام بطبيعة الحال مرشحة للارتفاع في الأعوام القادمة بشكل مخيف للغاية، فسوق العمل غير قادر على استيعاب أفواج الخريجين الذين مضى على تخرج بعضهم أكثر من عشرة أعوام فما بالكم باستيعاب كافة الخريجين للأعوام القادمة؟
تستحق هذه المعضلة مزيداً من الاهتمام والدراسة الجادة من طرف الجهات المسؤولة في الدولة، وعلى رأس تلكم الجهات وزارة التربية والتعليم ووزارة العمل، فالأولى هي المسؤولة عن مخرجات التعليم والتخطيط السليم لتتناسب مع متطلبات سوق العمل في البحرين، أما الأخرى فهي المسؤولة عن توظيف الخريجين من الباحثين عن العمل، وبدون إقامة تنسيق «محترم» بين هاتين الجهات وبين بعض الجهات الأخرى فإننا سنصطدم وننصدم بمستقبل كئيب فيما يخص ملف «البطالة»، لأننا بذلك نراكم أعداد العاطلين دون إيجاد مخرج حقيقي لهذه الأزمة.
في اعتقادنا المتواضع أن بداية المشكلة تعود لسوء التخطيط بل تعود لغيابه عن مشهد ما بعد التخرج من الثانوية العامة وعدم التنسيق بين وزارة التربية والتعليم ووزارة العمل حول مخرجات سوق العمل، وإذا لم تخنا الذاكرة فإننا حذرنا من هذه التخبطات وعدم التنسيق بين التربية والعمل قبل أكثر من عشرة أعوام مضت، فالتربية لم تراعِ احتياجات السوق وفق خطة مدروسة ومحكمة وإنما كانت تفتح البعثات بشكل «فوضوي» لا يتسق مع سوق العمل، وإذا بنا نفاجأ بأن هناك مئات الأطباء من العاطلين وعشرات الآلاف من الخريجين من أصحاب الشهادات في مجالات البنوك والمحاسبة والإدارة وغيرها في مقابل احتياج سوق العمل لتخصصات لم تهتم الوزارة لإرسال شبابنا البحريني لتغطيتها من خلال بعثات دراسية منظمة، مما أدى بهذه الفوضى أن تستورد الدولة تخصصات لعمالة أجنبية في المجالات التي لو قرأت وخططت الجهات المختصة للمستقبل بشكل دقيق لما حدثت لدينا فراغات في الوظائف المهمة من أبناء الوطن ولهذا قمنا باستيرادها من خارج الحدود!
بعثات الطب ربما مازالت مفتوحة وتخصصات المحاسبة أيضاً مازالت مفتوحة وتخصصات يشغلها آلاف العاطلين عن العمل مازالت كلها مفتوحة، كل ذلك وأكثر يحدث في مشهد ينم عن سوء التخطيط لهذه الأزمة التي تتفاقم بشكل مخيف دون أي تدخل صارم في هذا المجال، وفي اعتقادنا حتى لو بدأت الجهات المعنية التي أشرنا لها بالتخطيط من الآن وصاعداً فإن الوقت قد فات، فبداية الحل يكون بتوظيف الخريجين الذين ورطتهم الجهات المختصة حين سمحت لهم بالدراسة الجامعية في تخصصات لا يحتاجها سوق العمل، بل ربما ورطتهم بدراسة تخصصات أُشبعتْ حتى وصلتْ أعدادها حد التخمة. أولئك الذين نجدهم اليوم في المنازل والشوارع يبحثون عن عمل!
سوء التخطيط وليس شيئاً آخر وراء هذه الأزمة التي تحاول وزارة العمل التخفيف من قوتها وورطتها أمام أعداد مهولة من الخريجين الذين «عاكست» مخرجاتهم مخرجات سوق العمل حتى وجدوا أنفسهم بلا عمل، أما التربية فهي المسؤولة «رقم واحد» عن هذه المحنة التي لم تتعامل معها بخطط خمسية أو عشرية في يوم من الأيام الخوالي، حتى انفرط العقد وزاد طين تخبطهم بلة لأزمة الباحثين عن العمل، والله المستعان.