بعد تمرير قانون أجاز إلحاق ميليشيات الحشد الشعبي للجيش العراقي لتصبح قوات نظامية معترفاً بها، يصبح الجيش العراقي هو الجيش «العربي» الثاني الذي تدفع رواتب أفراده دولة أجنبية وهي إيران بعد «الجيش» اللبناني، وأصبح قاسم سليماني هو وزير الدفاع العراقي بشكل مباشر!!
بالنسبة للبنان صحيح أن لها جيشاً نظامياً لا شك في ذلك، ولكن حزب الله هو من يقوم بمهام كان من المفروض ألا يقوم بها سوى الجيش اللبناني كحفظ الأمن في أهم المرافق السيادية اللبنانية «المطار» وغيره، وإقامة نقاط التفتيش وحراسة الحدود الجنوبية، فحزب الله يحارب باسم لبنان خارج حدوده السياسية ماذا أبقى للجيش إذاً من اختصاصات؟ همش حزب الله الجيش وأصبحت له الكلمة الفصل في المسألة الأمنية داخل وعلى حدود لبنان.
وهو «جيش» قال عنه قائده إنه يستلم مخصصاته «كاش تصل بكراتين» من طهران، هل سمعتم عن وقاحة تفوق تلك الوقاحة في إقرارها وتفاخرها بالخيانة الوطنية؟
أما الحشد الشعبي العراقي فلا أحد يجهل خضوع معظم ميليشياته التام لإيران مادياً وقيادياً ومباشرة بلا مواربة كميليشيات بدر والقدس وحزب الله وعصائب الحق والنجباء وسيد الشهداء والجهاد والبناء والرسالي والخرساني والعتبات والعاشورائي، وغيرهم وكل تلك الفصائل تدار بأوامر مباشرة من قاسم سليماني الذي أصبح الآن هو وزير الدفاع الفعلي في مقاطعة العراق الإيرانية... يا للأسف.
بهذه الخطوة ثبت أن «جماعة الولي الفقيه» باعت العراق ولبنان لإيران مجزأين واستلمت الثمن «كاش» وليته كان ثمناً محرزاً، فإن كانت الجيوش تستلم رواتبها من إيران، وإن كان الحزب السياسي يبيع القرار التشريعي لإيران، وإن كانت الحكومة تبيع تشكيلها لإيران، فلم يبقَ غير الجيش للوطن وها هو قد بيع هو الآخر، فماذا بقي من ملامح العراق العربي أو ملامح لبنان العربية؟
أذكر التطمينات التي أطلقتها هذه الجماعة في الأوطان العربية قبل ثلاثين عاماً بعد قيام الثورة الإيرانية بما فيها الجماعة عندنا في البحرين، قالوا لنا لا تخافوا إن الارتباط بيننا وبين مرجعيتنا الدينية الإيرانية لا يعدو كونه ارتباطاً روحياً للأمور الشرعية فقط، وصدقناها ونمنا في العسل بناء على تطميناتهم، ومنحت تلك الجماعة كل ما تريده من حقوق وطنية في دولها، فأصبحت عندها أحزاب سياسية وصحف واستولت على نقابات واتحادات ولها مؤسسات مدنية، وفجأة ظهرت لها ولتفريعاتها أجنحة عسكرية وميليشيات في بعض الدول العربية، حتى إذا ما تمكنت، استلمت المقسوم من سيدها الإيراني -الذي قالت لنا إن ارتباطها به روحاني فقط- إلى أن اكتشفنا أنها باعت أوطانها مجزأة في غفلة منا!
حلقة واحدة وسلسلة مترابطة لتلك الجماعة أينما وجدت، وتحاول الإنكار والدفاع المستميت عن عدم الارتباط، ولكن إن أمطرت في كربلاء رفعت صحيفتهم في البحرين مظلتها، وتفاعلت مع حدث طرفاه عراقي وسعودي لتنحاز للطرف العراقي انحيازاً لا يكون إلا بالارتباط العقائدي، أخذته الصحيفة خبراً رئيساً لأنه بالنسبة لها فعلاً خبر رئيس قياساً بالارتباط «الجماعي».
هو السبب ذاته الذي يدفع نائباً برلمانياً كويتياً ليتفاعل مع حدث في اليمن يقف فيه صفاً واحداً مع جماعة هي في حرب مع دولته، لكن لا الكويت ولا مصلحتها يقعون ضمن أولوياته، لقد أثبتت الرابطة الطائفية أنها الرابطة الأقوى وهي التي تحكم مواقف تلك الجماعة وتعلو وتتقدم على رابطة الوطن، وثبت أن الارتباط ليس روحياً كما ضحكوا علينا قبل 30 عاماً بل الارتباط سياسي وعسكري وأمني شاهراً ظاهراً.
عشنا اليوم زمناً لم نكن نتوقع أن نرى وجه الخيانة فيه وقحاً لهذا الحد الذي يجاهر بعهره دون نقطة حياء على الملأ، لقد أصبح للأوطان عندهم سوق فتحته هذه الجماعة تبيع قطعه بالمزاد العلني وتجوب الأرض لتعرض بضاعتها من جنيف إلى بروكسل إلى نيويورك إلى بيروت إلى بغداد إلى لندن في كل سوق تبيع قطعة وتستلم الثمن ثم تتسكع على مقاهي أوروبا تحتسي خمرة الزهو بخيانتها!
وبعد أن تحولت ميليشيات طائفية صرفة إلى جيش نظامي بفضل تلك الجماعة لا نقول سوى شاهت الوجوه أينما حلت في أوطاننا العربية وجوهاً لن تمحى خيانتها من ذاكرة الأجيال القادمة لا من جيلنا فحسب!!