نسب إلى رئيس هيئة الأركان الإيرانية اللواء محمد باقري أنه قال «إن إيران تحتاج إلى قواعد بحرية في مناطق بعيدة.. وربما قد يأتي زمن يمكن لإيران أن تنشئ قواعد في اليمن أو سوريا أو قواعد بحرية عائمة.. ويجب التفكير بجدية حول هذا الموضوع.. والتوفر على قواعد بحرية أكثر أهمية بعشرات المرات من التقنية النووية».
ملخص التعليقات التي نشرت على هذه التصريحات هو أنها «تأتي لتضاف إلى سلسلة من التصريحات السابقة لعدد من المسؤولين الإيرانيين التي تكشف الطموح الإيراني في المنطقة» و»أنها تأتي بعد أن أصبحت إيران تسيطر على أربعة عواصم عربية هي دمشق وبيروت وبغداد وصنعاء»، بينما ذكر البعض بتصريحات لوزير الاستخبارات الإيراني السابق علي مصلحي مفادها أن «الثورة الإيرانية لا تعرف الحدود»، وتصريحات لمستشار الرئيس الإيراني لشؤون الأقليات علي يونسي قال فيها «إن إيران عادت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وبغداد عاصمتها حالياً».
ربما كان هناك خطأ في الترجمة من الفارسية إلى العربية في خبر باقري، حيث ورد في صيغة أخرى أنه قال إن بلاده «تتجه نحو بناء قواعد بحرية في سواحل سوريا واليمن، وذلك لحاجة الأساطيل الإيرانية لقواعد بعيدة»، والغالب أن الصيغة الأخيرة هي الصحيحة لأن كلمة «ربما» أو «قد» التي وردت في الصيغة الأولى لا قيمة لها في مثل هذا الموضوع بينما كلمة «تتجه» تعني أن قراراً قد اتخذ وربما يتم تنفيذه حالياً.
حسب بعض التحليلات فإن الهدف من هذا الإعلان هو رفع معنويات الميليشيات في اليمن بعد الهزائم المتتالية التي تلقتها على يد قوات التحالف العربي بقيادة السعودية، خصوصاً أن إيران تجد صعوبات في توصيل السلاح إليها، لكن ما نقلته وكالة «فارس» عن باقري يضعف هذا التحليل، حيث نسبت إليه القول «إن هناك الكثير من المتطوعين من «مدافعي الحرم» - وهو لقب تطلقه إيران على مقاتليها وميليشياتها في سوريا والمنطقة - مستعدون للتضحية ضمن القوات البحرية لو أتيح لهم المجال». وهذا يعني أن إيران بصدد بناء القواعد البحرية في سوريا واليمن وأنها تجاوزت مرحلة النية. هذا إن لم تكن قد انتهت فعلاً من بناء تلك القواعد وبدأت في الاستفادة منها.
الحقيقة التي ينبغي التعامل على أساسها هي أن لدى إيران أجندة توسعية وأنها مقبلة على التدخل العسكري في العديد من الدول العربية، وليس صعباً تبين هذا الأمر من خلال قراءة واعية لتصريحات المسؤولين الإيرانيين الذين لا يصرحون إلا بمقدار تحدده لهم القيادة بدليل أن تصريحاتهم تكون دائماً متناغمة وتكمل بعضها بعضاً.
قواعد بحرية في اليمن وسوريا وقواعد عائمة يعني مزيداً من التحكم الإيراني في المنطقة وخطوة عملية لا يمكن أن تكون نتيجة «تصنيفة» خطرت على بال المسؤولين الإيرانيين في لحظة صفاء، فإيران لا تعمل إلا من خلال خطط تعتمدها بناء على اتفاقات مع من هو أكبر منها وأكثر تحكماً في المنطقة، وليس بعيداً أن يكون بناء القواعد البحرية التي صرح بها باقري نتاج الاتفاق النووي بينها وبين الولايات المتحدة، وليس بعيداً أن يكون ذلك نتاج اتفاق بينها وبين روسيا التي سمح لها قبل حين بالاستفادة من قواعد جوية في إيران. لم لا وإيران تصرح بكل ذلك وتتحرك بكل ثقة؟
سيطرة حكومة الملالي على دمشق وبيروت وبغداد وصنعاء، وعلاقتها التي تتنامى مع روسيا والولايات المتحدة تتيح لها التحكم في تلك العواصم و»منح» نفسها ما تشاء من قواعد بحرية وجوية وبرية وعائمة وكل ما ترغب فيه وتعتقد أنه يعينها على السيطرة على المنطقة بأكملها واستعادة إمبراطوريتها لتكون العواصم العربية كلها عاصمتها!