تواجه العلاقات المصرية العربية منذ فترة من الزمن عدداً من التحديات تؤثر في مسيرتها وما يهمنا هنا التركيز على ثلاثة أمور، أولها، العلاقات المصرية الخليجية لأهميتها للطرفين، وثانيها، النظرة المستقبلية للتحديات، وثالثها، كيفية التعامل مع تلك التحديات لمصلحة الطرفين ولمصلحة العرب ككل.
التحدي الأول، عدم إداراك كل طرف لحقيقة الطرف الآخر. فبعض شباب دول مجلس التعاون لا يعرفون الكثير عن مصر ودورها في الذود عن الحياض العربية، ومصادر قوتها الذاتية، وبعض من شباب مصر لا يعرفون الحضارات التي ظهرت وأينعت في الجزيرة العربية، ولا يعرفون التطور الجديد في السنوات الثلاثين الأخيرة في منطقة الخليج العربي ولا التحديات الأمنية الخطيرة التي أمامها.
التحدي الثاني، محدودية التصور العربي، ورؤية الأشياء من المنظور الغربي أو المنظور الوقتي وليس الاستراتيجي. وذلك تحت تأثير الثقافة الأمريكية القائمة علي الوجبات السريعة، وتأثير الميديا الحديثة مثل «تويتر» و«فيس بوك»، وقراءة العناوين الإخبارية دون التعمق في الخبر والبحث عن خلفياته للتدقيق في مدى صحته.
التحدي الثالث، هو قصور المعرفة الدقيقة لدى بعض المصريين وبعض الخليجيين بتراث العرب الحضاري وبالتراث الإسلامي وفلسفته التي وضعها علماء أفذاذ عبر السنين، ومنها ثلاث مقولات مهمة في التعامل مع الخلافات، الأولى، إننا نعمل فيما اتفقنا ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا. والثانية، إن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، والثالثة، إن صديقك من صدقك وليس من صدقك.
التحدي الرابع، هو تأثير الفكر الأمريكي الأحادي في العقلية العربية. هذا التفكير الذي بدأ خاصة مع جون فوستر دالاس ثم استمر حتى اليوم. وهو قائم على منطق إما أن تكون معي أو تكون مع عدوي. دون أن تشرح للآخر لماذا يجب أن تكون معي أو يشرح لك لماذا لا أستطيع أن أكون معك في هذا الموضوع؟
التحدي الخامس، وهو نابع من عدم قراءة التاريخ العربي، فقراءة التاريخ العربي تظهر أمرين، أن إيران الفارسية وتركيا العثمانية كانا وما زالا أكبر عدوين للحضارة العربية الإسلامية الصحيحة. فالفرس كامن في أعماقهم أن العرب البدائيين كانوا حراساً على البوابة الفارسية في دولة المناذرة ولذا فهم تابعون للفرس وحضارتها ويجب أن يستمروا كذلك. والعثمانيون ورثوا الرومان الشرقيين والمغول الذين هم أصل السلالات التركية وقد دمروا الحضارة العربية الإسلامية ثم تحولوا للإسلام وغزوا المنطقة، وحكموها خداعاً باسم الخلافة ونظروا للعرب نظرة دونية عبر العصور. إنها نظرة الدولة المحتلة لأراضي وشعوب احتلتها فنهبت أملاكهم وفرضت عليهم الضرائب الباهظة وسرقت بعض آثارهم وتراثهم وعمال الصناعة والحرفيين وحكمتهم عدة قرون، لم يحدث فيها أي تطور حقيقي بل لم تدافع عنهم ضد الغزو الصهيوني لفلسطين، بل دخلت تركيا وإيران في علاقات رسمية وثيقة مع إسرائيل واليوم كل منهما يتبنى الآن فلسطين كقميص عثمان.
التحدي السادس، هو عدم تبني العقلية العربية المنهج السليم لمعالجة التناقض في المواقف والآراء فيما بينها. بينما القرآن الكريم أوضح منهج الولوج «يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل»، هذا التناقض بين الليل والنهار لا يمكن معالجته بالانحياز إلى أي منهما، وإنما بالتعامل معه تدريجيا وبهدوء. وهذا ما يسمى المعالجة الصحيحة للمتناقضات، فإذا تمت معالجة صحيحة يتحول التناقض الخبيث إلى حميد والعكس. وهذا هو منظور الإسلام، ولذا قال الله تعالي لنبيه «ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك»، وقال الله تعالى في كتابه الكريم «ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميم».
الاقتراح الذي نطرحه من أجل التغلب على تلك التحديات في عالم سريع التغير ومليء بالمخاطر التي تهددنا جميعاً كعرب وبالذات مصر ودول الخليج، لأنهما القوتان اللتان تمثلان أمل العرب في المستقبل بعد الانهيارات في دول عربية مهمة والصراع فيما بينها، وارتماء بعضها في حضن جيران لا يرحمون بل يهلكون الحرث والنسل، لذا فإن المخرج هو الدعوة إلى خلوة فكرية لقادة الخليج ومصر والتصارح وتحديد المواقف والأولويات والرؤى الاستراتيجية، وكبح جماع الطموحات الزائدة عن الحد لدى هذا الطرف أو ذاك. هذا الاقتراح ينبع من متابعتي للشؤون العربية والخليجية والمصرية ومقارنة ذلك بما يحدث في أوروبا أو حتى بين القوى العظمى، حيث يلتقي لافروف وكيري وبينهما عداء ومنافسة ويلتقي الرئيس الصيني مع نظيره الأمريكي وبينهما عداء وخلافات وتنافس أكثر مما بين الدول العربية بعضها البعض. فهل نعجز عن التصرف الصحيح .إنني على ثقة بأن قادتنا قادرون وفي حاجة ليجلس كل منهم للحظات مع نفسه بعيداً عن مستشاريه ويتساءل أين الخطأ في علاقاتنا؟ ويكاشف نفسه بصراحة ثم يذهب لإخوانه في مكاشفة صريحة وأمينة لمصلحة الجميع.
باحث في الدراسات
الاستراتيجية الدولية