في الجزء الأول من المقال، تحدثنا عن 4 خصائص أو ركائز للإدارة اليابانية، وهي اتخاذ القرار بصورة جماعية، والتوظيف مدى الحياة، والتعليم والتدريب المستمر، وسياسة تفضيل الموظف الشامل على المتخصص المحدود. ونتابع في هذا الجزء الثاني والأخير بقية الخصائص التسعة للإدارة اليابانية وهي:
خامساً: الإدارة الأبوية: يبنى مبدأ القرار الجماعي والتعاون الوثيق والعلاقة الحميمة بين العمال والمديرين على كافة المستويات، من خلال الاعتماد على مبدأ العامل الشريك في العمل، وإشعاره بالاستقرار طيلة حياته المهنية، حتى تكاد تدخل المؤسسات اليابانية الصناعية، فلا تميز بين المدير والمشرف والعامل من حيث زي العمل. هذا هو التعاون الوثيق بين نقابات العمال ورجال الأعمال وبينهم وبين إدارات الدولة والتصرف العقلاني على أساس أن الأفضلية المطلقة يجب أن تعطى لمصلحة اليابان العليا ودورها على المستوى الدولي، حيث تكمن قوة اقتصادها كدولة تعتمد عليها الأسواق العالمية بشكل كبير جداً.
سادساً: الاهتمام الشمولي بالموظف: لا يهتم المدير الياباني بالجانب العملي من حياة الموظف فقط، بل يحرص على الاهتمام بالمشاكل الخاصة لموظفيه قدر اهتمامه بمشاكل العمل، ويعتبر هذا الاهتمام ملزماً، فهو من بين الجوانب الهامة التي تؤخذ في الاعتبار عند تقييم أدائه، لذلك يعقد اجتماعات خاصة لحل مشاكل موظفيه الشخصية والأسرية. ويتم ذلك في الإدارة اليابانية من منطلق إنساني واعٍ بأن الإنسان كيان متكامل لا يمكن تجزئته، وأن كل جانب فى حياته يؤثر في الآخر وهو الطريق الذي بدأت تتلمسه بعض الشركات الأمريكية العملاقة. فالموظف الذي يعاني من بعض المشاكل الخاصة في حياته الأسرية من المتوقع أن ينعكس ذلك وبشكل مباشر على عمله من خلال انتظامه فى العمل واهتمامه به، وتركيزه على الأداء وعلاقاته بالآخرين.
سابعاً: العمل الجماعي والتعاونى: كل ما سبق يخلق البيئة التنظيمية العائلية ويعزز الألفة والمودة بين العاملين بدلاً من التزاحم والمنافسة الفردية ومن ثم تحجيم الأنانية وتعظيم الاعتقاد بقوة الفريق أو الجماعة وهي أهم باعث بالشعور بالأمن والطمأنينة والانتماء وانعكاس ذلك الهائل على المناخ التنظيمي وتأثيره العظيم على الإنتاجية واستمرار نموها.
ثامناً: المسؤولية الجماعية: بالرغم من أن التنظيم الياباني يأخذ بالكثير من المبادئ الكلاسيكية في التنظيم سواء في تجميع أوجه النشاط أو فى التحديد الرأسي الواضح لعلاقات السلطة والمسؤولية، إلا أن أهم ما يميزه هو أن تحديد السلطات والمسؤوليات لا يكون على أساس فردي، وإنما على أساس جماعي، ومن ثم فإن وحدة البناء في التنظيم هي الجماعة وليس الفرد. وطالما أن السلطة والمسؤولية تحدد على أساس الجماعة وليس على أساس الفرد فإن المساءلة لابد أن تكون على أساس جماعي.
تاسعاً: الأدوات الكمية والتقنية: طورت الإدارة اليابانية العديد من الأدوات والاستراتيجيات لتحقيق ذاتها ورؤيتها ونمو مؤسساتها ومن أهمها «الكايزن» و«الكايكاكو» و«هوشن كانري»، وهي استراتيجيات يابانية للتحسين والتطوير المستمر في كافة جوانب العمل، الهندسية والتطبيقية والإدارية والتعليمية والتربوية.
تركز أول استراتيجيتين على تحسين وتطوير العمليات اليومية لتقليل الهدر في الموارد والعمليات والوقت بهدف رفع الكفاءة ونسب الفائدة والربح. فاستراتيجية «الكايكاكو» تعني التحسين الجذري دفعة واحدة، أما «الكايزن» فهي تركز على التحسين التدريجي المستمر. بينما استراتيجية «هوشين كانري» فهي تهدف إلى التعبير وتشكيل الأهداف الاستراتيجية بالإضافة إلى التعبير عن الرؤية المستقبلية وتطوير وسائل تحولها إلى واقع.
نهضة اليابان من خلال ثقافتها وروحها أشعت على الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، وفي المقال القادم سنقدم مقارنة بين الإدارتين، وكيف تم تكييف مفاعيل الإدارة اليابانية لتناسب الثقافة الأمريكية المختلفه عنها لتستفيد الأخيرة من نجاحات الأولى دون أن تتحول إلى مسخ.
* استشاري تطوير أعمال وقدرات بشرية