تكلل مؤتمر «الاتحاد الخليجي» الذي أقامته جمعية تجمع الوحدة الوطنية بإصدار وثيقة الاتحاد الخليجي التي وقع عليها آلاف المواطنين البحرينيين والخليجيين أيضاً. والوثيقة عبرت عن طموح شعوب دول الخليج العربي في إقامة الاتحاد الخليجي الذي تأخر كثيراً، والذي أوشك غير مرة أن يبدأ خطوات تفعيله الجادة، لكن كانت الظروف والأولويات تحول دون البت فيها. وسوف يتم رفع الوثيقة بتوقيعاتها إلى قيادات دول مجلس التعاون الخليجي خلال القمة الخليجية المزمع إقامتها خلال أيام في شهر ديسمبرالحالي في مملكة البحرين. وقد تسربت بعض التقارير عن احتمال مناقشة قضية الاتحاد في هذه القمة فعلاً، والشروع في إعلانه حقاً، تلبية للمتطلبات الحالية في المنطقة.
وثيقة الاتحاد الخليجي عبرت في مقدمتها عن الهواجس الخليجية من التطورات الإقليمية حالياً والطائفية خاصة. وأبدت قلقاً على المنجزات الحضارية والثقافية والاقتصادية التي اكتسبتها شعوب الخليج في السنوات الماضية، وهو تصور في مجمله صحيح، خصوصاً في ظل خطورة الأحداث التي آلت إليها دول كثيرة في المنطقة ابتداء من عام 2011، حين بدأ مشروع الشرق الأوسط الجديد يتمثل بصوره الحقيقية في الجغرافيا والسياسة العربية. وفي ظل عدم اتضاح أي إجراءات استراتيجية أو استدراكية لحماية دول الخليج العربي من امتدادات التحولات السياسية في الإقليم خصوصاً مع وصول دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، والتمهيدات السابقة لذلك في تغير اتجاه السياسة الأمريكية والأوروبية عامة تجاه المنطقة.
ما يجب أن يضاف إلى وثيقة الاتحاد الخليجي، هو ركام الأحلام الخليجية «الطموحة» التي لا تقل أهمية عن غيرها بالنسبة لدول مجلس التعاون وذلك كإطار مرجعي لقيام الاتحاد. فشعوب منطقة الخليج كانت تبحث، منذ ثمانينات القرن الماضي، بقلق حقيقي، في قضية الهوية الخليجية والديمغرافيا، وكانت تدرس مسألة التكامل الاقتصادي، والعملة الخليجية الموحدة، وخط القطارات المشتركة. يضاف إلى ذلك ما استجد من «قلق استراتيجي» حول تباين بعض وجهات نظر دول الخليج في شكل الاتحاد الخليجي وفلسفته. فإذا أضفنا إلى كل ما سبق التهديدات الإقليمية الحالية فإن الحاجة تصبح أكثر إلحاحا لإيجاد صيغة خليجية طموحة واتفاقاً للاتحاد الخليجي.
رغبة الشعوب الخليجية في إقامة اتحاد فيما بينها يمتد إلى الجذور العروبية والقومية التي تؤمن بها شعوب الخليج، وإلى إدراكها الشامل لمختلف التحديات القديمة والمستجدة التي تواجهها. وما ظلت تتمناه الشعوب الخليجية أن تبدأ دول مجلس التعاون في خطوات إجرائية فعلية لتفعيل صيغة الاتحاد المنتظرة بآليات تنعكس آثارها إيجاباً على المواطن الخليجي، وأن تتجاوز صيغة الاتحاد ـ التي ربما يتم مناقشتها في قمة المنامة ويمكن الاتفاق عليها ـ ردة الفعل الآنية للواقع العربي المؤقت والمأزوم، إلى رؤية تجاوزية تضمن استقرار الإقليم الخليجي الاتحادي وتزيد من تأثيره وفاعليته.