لا نبالغ في القول إن قلنا بأن العالم يطالع قمة مجلس التعاون الخليجي في المنامة باهتمام بالغ، ولأسباب تتلخص في جانبين رئيسين:الجانب الأول: ما شهدته دول الخليج العربي خلال الشهور الماضية من محاولات استهداف صريحة، من قوى إقليمية وعالمية، ومساعٍ للتدخل في الشؤون الداخلية، أو فرض إملاءات بشأن ملفات معينة على رأسها الملفات العسكرية الأمنية، يضاف إليها وضع الحرب لأجل تحرير اليمن من براثن الحوثيين.الجانب الآخر: معرفة التوجه الجديد الذي ستنهجه دول المجلس بشأن علاقاتها الدبلوماسية الخارجية بالأخص مع الغرب، وهل سيكون هناك تحول فيها، بسبب بعض المنعطفات والمتغيرات التي حصلت، على رأسها مواقف روسيا من سوريا، وانتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، وتغير القيادة السياسية في بريطانيا بعد استقالة ديفيد كاميرون.سأضيف أمراً هنا، قد يكون من ضمن أجندة «الرادار الأمريكي» في إطار متابعته للقمة، إذ وجود رئيسة وزراء بريطانيا السيدة تيريزا ماي كضيف مشارك، أمر له «حسابات» يفهمها الأمريكان، خاصة مع وضعية وجود قاعدة بريطانية عسكرية جديدة في البحرين، ما يعني مزاحمة الأمريكان فيما كانوا يستفردون فيه سابقاً، من وجود عسكري منفرد عبر القواعد.عموماً، متابعة التحليلات التي عجت بها وسائل الإعلام المختلفة، وأعني هنا متابعتها بعناية وتحليل للمضامين، تجدها تنقسم لثلاثة أقسام:الأول: إعلام خليجي يرسل رسائل عامة، تتحدث عن وحدة دول المجلس، والتعاون القوي بين قادتهم، وهو أمر مشاهد وملموس، ويفصل تاريخ العلاقات التاريخية، وكيف بدأت منظومات التعاون، وتطورت عبر العقود، وكيف أصبحت قوات الخليج العربي «درعاً» عسكرياً قوياً، وأن التوجه الحالي يمضي بقوة باتجاه «الاتحاد العسكري» بنطاقه الأوسع، كإيجاد جيش خليجي مستعد لصد العدوان المباشر. الرسائل من إعلامنا الخليجي واضحة، وإن لم تكن تدخل عميقاً في سبر ملفات القمة، لكنها أدت دورها بذكاء، فمن يشاهدها ممن يتربص بنا، سيدرك تماماً بأنه أمام اتحاد خليجي موجود على الأرض أصلاً، تنقصه فقط التسمية، والتي هي أصلاً لم تكن حاجزاً أمام تفعيله في ثوانٍ ودقائق لو اقتضت الحاجة. الثاني: إعلام غربي يترقب باهتمام ما يصدر عن القمة، وهي مسألة تعيدني للوراء وتحديداً لأربعة أعوام حينما أعلن المغفور له بإذن الله الملك عبدالله بن عبدالعزيز دعوته الشهيرة لتأسيس الاتحاد الخليجي، وكيف أن أكبر المهتمين بذلك كانت دول الغرب الكبرى، ويومها سألني أعضاء في البرلمان البريطاني عما إذا هناك تفاصيل يمكن التحصل عليها بشأن هذه الاتحاد، وهل هناك فرصة لترتيب لقاء مع أمين عام مجلس التعاون الخليجي الدكتور عبداللطيف الزياني لفتح آفاق للتعاون مع الاتحاد. الشاهد بأن عديداً من دول الغرب ترى في الاتحاد الخليجي أمراً واقعاً، وأن إعلانه مسألة توقيت أمره سهل بيد قادة دول المجلس، المهم هو ماذا سيترتب على الاتحاد من تداعيات، في تشكيل قوة إقليمية تضاف إلى الدور الإقليمي العالمي القوي الذي تلعبه السعودية، وما موقع إيران بالتالي بعدها من المنظومة؟! وماذا يفترض بدول الغرب أن تعدله من سياسات التعامل مع هذا الاتحاد؟! الإعلام الغربي ذكي ومتحفز، لكنه يحاول تجاوز كل مظاهر الفرح الخليجي بلقاء الأشقاء، يحاول أن يبحث في الصورة أكثر مما تنقله عن أشقاء يفهمون بعضاً ويدركون ألا مصير لهم إلا مع بعض، هذا الإعلام الغربي يريد إجابات صريحة، ماذا سيحصل، وبشأن ماذا سيتفقون، وما على الغرب أن يفعل بناء على ذلك؟!الثالث: طبعاً الإعلام المعادي الذي يرى في لحمة أبناء الخليج واتحادهم «ضربة قاصمة» له ولأطماعه، وتهديداً لمخططاته الساعية لضرب أمن الخليج، وزرع العملاء والخلايا النائمة، هذا الإعلام الذي يسن سيوفه ليحاول إفساد أية مساعٍ للوحدة، فوحدة دول الخليج العربي بالنسبة له «كابوس» يهدد مشروع التمدد الصفوي، ويهدد حرب الإبادة التي تتم في سوريا، ومساعي ابتلاع اليمن مثلما ابتلعت العراق، بالتالي خذوها قاعدة، كلما ارتفع «عويل» الإعلام الإيراني وعملائه، كلما كان تعبيراً عن خوف وقلق وألم متعاظم.اليوم، لا أحد يفكر في الحديث عن الملفات الاقتصادية أو الاجتماعية قبل الملفات الأمنية، وهو ما يتضح لكم من التركيز على جوانب التعاون المشترك على صعيد القوات المسلحة أو المنظومات الأمنية، وهي مسألة تنم عن إدراك بأنه لتحقيق الازدهار الاقتصادي وتعزيز النمو الاجتماعي لا بد من تثبيت الاستقرار الأمني الذي لا يتحقق إلا بالاتحاد في المنظومات العسكرية، وهو الطموح الذي نطالع به قمة مجلس التعاون في المنامة. * اتجاه معاكس:قادة دول مجلس التعاون الخليجي، إخواننا وأشقاءنا في دول هذا الإقليم الجميل العروبي الخليجي الذي ندعو الله أن يحفظه أبد الدهر، حللتم أهلاً ونزلتم سهلاً في بلدكم الأول البحرين، مملكة الملك حمد، والتي لا تنسى لكم وقفتكم، وقفة العز، وقفة «درع الجزيرة»، وقفة القادة الكبار، الذين وقفوا وقالوها صراحة في وجه المعتدي «إلا البحرين».