إن مصطلح التعايش السلمي هو مصطلح معاصر معناه القبول بالآخر المختلف أيديولوجياً ودينياً وعرقياً. فالتعايش السلمي هو نتاج موروث طويل من الحياة، يربط أفراد المجتمع الواحد بنسيج واحد داخل إطار العلاقات المشتركة التي تترتب عليها الحقوق والالتزامات في مواجهة أفرادها. لكن عندما يكون البقشيش هو السبب المضمون للتعايش السلبي ما بين أفراد المجتمع.. هل نكون أمام خيانة حق الكرامة الإنسانية التي وهبنها الله إياها والتي قام الغرب بتوثيقها في الوثائق الدولية كالتزام قانوني توفره الدولة لكافة مواطنيها كحق من حقوقهم؟ أم نكون أمام خيانة الدولة باعتبارها قد وفرت لنا كافة الحقوق إلا أننا قابلناها بالتهاون في الإيفاء بواجباتنا تجاهها؟
قد يكون موضوع المقال غريباً جداً، فكيف يكون البقشيش سبباً للتعايش السلمي؟! ولأوضح ذلك بأمثلة عايشتها في سفري مؤخراً إلى إحدى الدول العربية. فقد كانت هيئتي الشخصية في تلك الدولة هي عبارة عن برميل نفط متحرك! كانت نظرتي إلى إنسان أو جماد أو نبات ولو بالغلط سبباً لممارسة الضغط علي لتقديم البقشيش وإلا وقعت في شوشرة كلام لا ينتهي! كما كانت تمشيتي لاستنشاق الهواء النقي والراحة سبباً لتجمع سيل من أطفال القرية لطلب البقشيش من خلال تقبيل اليد والكتف والإلحاح المستمر والذين لا يبتعدون عنك إلا بعد أن تعطيهم بقشيشاً محترماً وليس أي بقشيش!
كما كان ذهابي إلى إحدى المناطق السياحية سبباً لرفع سعر تذكرة دخولها مع ضغط لتقديم بقشيش بما يتجاوز ضعف سعر التذكرة العادية لمواطني تلك الدولة! ويا ليت الوضع اقتصر على ذلك، لكن الضغط النفسي الذين يستخدمه بعض مواطني تلك الدولة وخاصة ممثلي وزارة الداخلية وأشخاص الأمن تجاه السائح كان غير طبيعي! فعندما تقوم مجموعة من أفراد الشرطة بسؤالك واستجوابك عن جواز سفرك وعن أسئلة لا يسألها رجل أمن قط في كل 5 خطوات تخطوها على أرض تلك المنطقة السياحية وبدون وجه حق ولمجرد ممارسة ضغط عليك لتقديم البقشيش لترتاح، هنا أتوصل إلى مغزى بأن يكون البقشيش سبباً لتعايشك السلمي مع أفراد تلك الدولة، وإلا وقعت في «مصيبة».
الغريب في الأمر، أننا نحب تقديم البقشيش كصدقة لرفع البلاء، لكن في تلك الدولة، فإنك تقوم بتقديم البقشيش «غصباً عنك» وإلا وقعت في مشادة كلامية لا تنتهي.
المؤسف حقاً، عندما تسمع أحد المارة الأجانب يقول إن «العرب ليست لديهم كرامة إنسانية، لأنهم مستعدون لتقبيل رجلك مقابل نصف دولار»! إن كلماته كانت قاتلة لي، لأن هناك بعض العرب ممن يشوهون صورة العرب وقوتهم وكرامتهم! مؤلم جداً عندما ترى الغرب يقومون بممارسة هواياتهم في وسط الشارع السياحي بشكل مهذب وحضاري تاركين حقيبة صغيرة أمامهم لمن يود تقديم المساعدة المالية، في حين أن العرب أهل الحضارة والرقي يلجؤون لكافة سبل الانحطاط المعنوي لأخذ تلك المساعدة المالية جبراً وقسراً! مؤلم جداً عندما ترى تلك الأم العربية تقوم بتعليم أطفالها التسول والإلحاح بطلب البقشيش في حين كان بإمكانها تعليمهم وتدريسهم ليكونوا سواعد الوطن في نهضته وبنائه.
وعلى ذلك، يجب أن نحمد الله كثيراً على أننا في مملكة البحرين بلد العز والأمن والأمان، لا نحتاج أن نقدم بقشيشاً للشرطة ليسهلوا طريقنا للتجول في أي مكان، وبالأحرى لا يقوم أعضاء قوات الأمن البواسل باعتراض طريقنا وممارسة سبل الضغط المعنوي علينا طمعاً في الحصول على البقشيش، فمهام وزارة الداخلية أسمى وأشرف من ذلك. فهنيئاً لنا وجودنا بمملكة البحرين، التي تعتبر نموذجاً رائداً في التعايش السلمي لما تسطره المشاهد من وجود سجل ناصع يملؤه التسامح والرقي والتطور من أجل حماية المواطن والأجنبي، ومن خلال معاقبة كل من يمس التعايش السلمي بعقوبات رادعة.. وبلا مقابل.. وبدون بقشيش.