دعوة جلالة الملك حمد بن عيسى لرئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي إلى القمة الخليجية التقاطة ذكية وإدراك مبكر واستباقي يتواكب في توقيته مع المراحل الأولى لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومع وجود ارتباك للعلاقة البريطانية الأمريكية إبان حكم الرئيس أوباما لا يبدو أن ترامب سيحلها في القريب العاجل، في هذه اللحظة التي تحتاج فيها بريطانيا لتعزيز التحالفات التاريخية لمساعدتها في إعادة تموضعها في المجتمع الدولي تأتي دعوة جلالة الملك لرئيسة الوزراء في توقيتها تماماً.
تلاقي المصالح البريطانية والخليجية في هذه المرحلة سيدفع باتجاه اتساع مساحة الدور الذي ستلعبه بريطانيا في المنطقة إلى جانب تنامي حجم التبادل والتجارة البينية مع دول الخليج.
ما نود أن نؤكد عليه أن على الحكومة البريطانية أن تكون على ثقة وهي تتعاطى مع مملكة البحرين أن ذلك لن يتعارض مع التمسك بالمبادئ والقيم الإنسانية التي تحرص عليها بريطانيا ومن أهمها ملف حقوق الإنسان، رغم أنها أكدت في تصريح لها لـ«بي بي سي» أن «البعض سوف يجادل بأن على بريطانيا ألا توثق علاقاتها بالدول التي لديها سجلات مثيرة للجدل في مجال حقوق الإنسان. إلا أننا لا نريد الالتزام بمبادئنا وقيمنا الإنسانية بإدارة ظهورنا إلى المشكلة».!
ومملكة البحرين تؤكد للسيدة ماي أنه رغم تلوث الملف الحقوقي بشكل عام لا البحريني فحسب تلوثاً سياسياً بشكل أفقد العديد من العاملين فيه مهنيتهم وحياديتهم، فلم يعد يفرق المرء فيه بين حقيقة الرغبة في تعزيزه وتطويره وبين الرغبة في استغلاله لتحقيق مكاسب سياسية، إلا أن مملكة البحرين تأخذ مهمة تطوير هذا الملف مأخذاً جدياً، وتعمل بالتعاون مع شركائنا باتجاه تطوير المنظومة الحقوقية مستفيدين من الخبرات الدولية ومنها البريطانية.
إلا أن مملكة البحرين تسير على حقل من الألغام وضعته «مجموعات» نشطة دولياً روجت لنفسها على أنها تمثل شعب البحرين «كمعارضة» ونجحت في فتح خطوط متشعبة مع الإعلام والمنظمات المدنية والسلطة التشريعية البريطانية والأوروبية، في ظل قصور رسمي ومدني بحريني شاب تحرك المؤسسات المدنية والرسمية البحرينية على مدى طويل، نقر به في التعاطي بذات النشاط والتشعب مع ذات الخطوط البريطانية.
فكان «للمجموعات» التي تدعي أنها تمثل البحرينيين السبق في التواصل مع تلك القطاعات والتأثير على صورة البحريني الحقيقية التي سيتاح للسيدة ماي أن تراها عن قرب هي ولأي من أعضاء الحكومة البريطانية أو أعضاء من نوابها أو إعلامها، فالبحرين بلد منفتح تماماً لكل من يريد أن يفهم ويعرف بنفسه دون تصنيف مسبق.
اليوم يحاول البحريني اللحاق بالحراك الدولي بنشاط ملحوظ من الحكومة البحرينية عبر الاتفاقات الثنائية وعبر المزيد من الانفتاح والتواصل، كذلك بنشاط ملحوظ من البعثة الدبلوماسية البحرينية في بريطانيا استطاعت أن تبين الكثير من المغالطات في الادعاءات التي روجتها تلك «المجموعة».
ويبقى القصور في التواصل على المستوى المدني بين المؤسسات البحرينية المدنية والبريطانية منه، وذلك لضعف الإمكانيات وقلة الخبرة، بالرغم من وجود 600 مؤسسة مدنية نشطة محلياً لكنها تفتقد إلى الخبرة مع التواصل الدولي، والعديد منها لخدمة قطاعات مختلفة منها لخدمة المرأة والطفل والعمالة ولدينا المؤسسات ذات النوعية المهنية والحقوقية والمعنية بالتعددية والحريات الدينية وغيرها، فلدينا نسبة كبيرة تصل إلى أن لكل 1000 بحريني توجد مؤسسة مدنية، والعديد منها يفوق في عمره الستين عاماً.
كما نملك حراكاً شبابياً التقت رئيسة الوزراء ببعض رواده حيث تمنح حكومة البحرين فرصاً لهذا القطاع بدعم لوجستي وتمويلي ليس له مثيل، حتى أصبحت التجربة البحرينية رائدة تسمى باسمها وتمنح خبراتها لدول أخرى.
خلاصة الفكرة التي أود طرحها بأن للبحرين وجهاً آخر غير ما تروجه «المجموعة التي استوطنت بريطانيا» وأثبتت التحقيقات مؤخراً ارتباط العديد منها بأجندة سياسية لها ارتباطاتها الإيرانية تستغل وتوظف الملف الحقوقي لخدمة أجندة سياسية ليست صرفة ولا خالصة.
هناك صورة حقيقية غيبتها تلك المجموعة أن البحرين عانت من إرهاب حقيقي ذهب ضحيته رجال عديدون قدموا أرواحهم لحفظ أمن هذا الوطن وحماية حقوق آلاف المدنيين العزل، حاولت الدولة فيه أن توازن في مكافحة هذا الإرهاب بين استحقاقات أمنية قومية لها أولوية مقدمة على أي شيء مع الضمانات الحقوقية، وهذا شعور مرت به بريطانيا حين حدثت أعمال الشغب والتخريب، وحينها قال كاميرون كلمته التي لم تقل البحرين سواها أو غيرها «حين يهدد الأمن القومي لا تحدثني عن حقوق الإنسان» فالأمر موازنة ومفاضلة بين أولوية وأهمية.
وعلى هذا الأساس لا يجب أن تتردد الحكومة البريطانية في مد اليد والتعاون مع مملكة البحرين على كل صعيد سواء منه الأمني أو التجاري دون أن يكون هذا الملف عائقاً تخجل منه، فما تبديه البحرين من حسن النوايا تجاه الخبرات البريطانية التي تساعدها في تطوير هذا الملف سيكون ورقة دعم للحكومة البريطانية أمام أي تساؤلات يطرحها الإعلام أو النواب أو مؤسسات المجتمع المدني البريطانية.