أياً كانت نتائج وقرارات القمة التي ترأسها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى بجدارة واقتدار، فإنها في نظر قاصري الرؤية ليست إيجابية، فالإيجابي في نظرهم هو ما يرونه هم وما يريدونه وليس ما يصدر عن حكماء مجلس التعاون الذين يعرفون دقائق الأمور وتفاصيل ما يجري في المنطقة وفي العالم أجمع، ويتابعون كل التطورات ويمتلكون القدرة على تقييمها والتعامل معها بما يحقق الأمن والتنمية لشعوبهم ودولهم.
هذا فارق مهم ينبغي أخذه في الحسبان دائماً وهو يعني باختصار أن أولئك يتشبثون بالنظرية وليس لديهم تجارب يستندون إليها تعينهم على التفكير بطريقة مختلفة، فهم يعتقدون أن الشعارات تكفي للارتقاء بالأوطان وبالناس وأن الأمور تتحقق بالأماني وبالأحلام.
أولئك لا يدركون، أو أنهم لا يريدون أن يدركوا، أن الظروف التي يواجهها العالم اليوم غير مسبوقة وأنها تتطلب التعاون والتكامل وتتطلب الخبرة والقدرة في التعامل معها، وأن لمجلس التعاون دوراً فاعلاً في وضع الحلول لأزمات المنطقة، وأن الارتقاء بالأمن ارتقاء بحياة المواطنين في كل هذه الدول بل في المنطقة بأسرها. وهم لا يعترفون بأن دول مجلس التعاون تفوقت في مواجهة الإرهاب بفضل حكمة وحنكة قادتها ورجالها الذين خبروا الحياة، وعليهم أن يدركوا أن قادة التعاون بذلوا ويبذلون كل الجهود بغية جعل النشاط الاقتصادي الخليجي قوة اقتصادية تقارع مختلف القوى الاقتصادية في العالم.
النظرة السالبة التي تحكم أولئك ومن يقف من ورائهم ويديرهم تحول بينهم وبين فهم الدور الذي يقوم به قادة مجلس التعاون في تطوير توجهات المرحلة، والنظرة نفسها تمنعهم من إدراك أن الأمن والتنمية أمران متلازمان وأنه لا تنمية من دون توفر الأمن ولا أمن من دون وقوف شعوب التعاون مع قادة التعاون خصوصاً في هذه المرحلة الصعبة كثيرة المتغيرات والقاسية، وهو ما لخصه صاحب الجلالة الملك المفدى في قوله «يأتي اجتماعنا هذا في ظل ظروف سياسية واقتصادية غير مسبوقة تواجه دول العالم أجمع، الأمر الذي يتطلب منا أعلى درجات التعاون والتكامل»، ووفر جلالته حقيقة مفادها أن هذا المجلس «لم يعد أداة لتعزيز مكتسبات شعوبنا فقط بل أضحى صرحاً إقليمياً يبادر إلى تثبيت الأمن والسلم الإقليمي والدولي عبر دوره الفاعل في وضع الحلول والمبادرات السياسية لأزمات دول المنطقة ومنع التدخلات الخارجية في شؤونها الداخلية».
يكفي قادة دول مجلس التعاون فخراً تمكنهم من منع الإرهاب الذي أريد له أن يعيث فساداً في دول الخليج العربية، ويكفيهم فخراً منع التطرف من التمكن من شعوبهم والطائفية من التغرير بشباب التعاون، ويكفيهم فخراً تقويض كل أنواع المخاطر التي تتهدد دول المجلس وتوفيرهم الإحساس بالأمان لشعوبهم، ويكفيهم فخراً «محافظتهم على الازدهار والتنمية والتطوير والذي حذت حذوه الكثير من الدول المتطلعة للاستقرار والسلام» كما جاء في كلمة حضرة صاحب الجلالة في الجلسة الافتتاحية.
الأمن والدفاع والاقتصاد، ثلاثة ملفات اهتم بها قادة التعاون في السنوات الأخيرة بوجه خاص وأكدوا عليها في اجتماعهم في المنامة، وهي أساسات من شأنها أن تمنع كل من تسول له نفسه الإساءة إلى أي دولة من دول الخليج العربية وتمنعه من استغلال من تم العبث بعقله فصار دون القدرة على استيعاب ما يحدث ولا ما يراد منه ومن وطنه. كثيرة هي منجزات مجلس التعاون في مختلف المجالات منذ تأسيسه قبل نحو أربعين سنة، وكثيرة هي القرارات الإيجابية التي توصل إليها القادة في قمة المنامة وكذلك المواقف التي تم الإعلان عنها، وكلها إنجازات وقرارات ومواقف لا يمكن لأحد التقليل منها مهما كانت درجة تحامله على هذه المنظومة المباركة.