ليس مبالغة القول بأنه لم يبق أحد من الذين لا علاقة لهم بالسياسة وتحليل الأحداث والمواقف إلا وصنف نفسه في باب المحللين السياسيين و»شرّق وغرّب» وهو يحاول إيجاد تفسير لدعوة مجلس التعاون رئيسة وزراء بريطانيا لحضور القمة السابعة والثلاثين التي عقدت الأسبوع الماضي في المنامة، و»تحليل» ما ورد في كلمتها والعلاقة بين المملكة المتحدة ومملكة البحرين بشكل خاص. ولأن هؤلاء لا علاقة لهم بالسياسة ولا معرفة لديهم بما يدور ولا «مريال» لهم في هذا البحر لذا قالوا كثيراً وجانبهم الصواب في كثير مما قالوه، بل فيه كله.
بالتأكيد لا يمكن لبريطانيا أن تقول ما قالت في القمة وخارجها وتتحرك وتفعل من دون أن يكون لها مصلحة ومكاسب في كل هذا، وبالتأكيد أيضاً لا يمكن لدول مجلس التعاون أن تدعو بريطانيا إلى اجتماع القمة، وتصدر إعلاناً عما تم الاتفاق عليه بين الطرفين، وتشيد بالعلاقات بين دول التعاون وبريطانيا من دون أن يكون لها مصلحة ومكاسب من كل هذا، هذا كله يدخل في الطبيعي، فالعلاقات بين الدول تقوم على المصالح وهذا حقها.
لبريطانيا مكاسب من تطوير العلاقة بينها وبين دول مجلس التعاون، ولدول مجلس التعاون مكاسب أيضاً منه، والطرفان لا ينكران كل ذلك لأنه لولا المكاسب ولولا المصالح لما تم اللقاء من الأساس. لذا فإن كل ما قيل وما سيقال في هذا الخصوص لا قيمة له، سواء ذلك المتعلق بسعي بريطانيا للتعويض عن خسائرها من خروجها من الاتحاد الأوروبي أو سعيها لبيع الأسلحة أو استعادة إمبراطوريتها بالعودة إلى مياه الخليج العربي وتسلم الدور من الولايات المتحدة التي من الطبيعي أن يشكل تركها لهذه المياه فراغاً، أو غير ذلك من أسباب، أو المتعلق بالفوائد التي يمكن أن تجنيها دول التعاون من الوجود البريطاني في المنطقة وعلى الخصوص من الناحية الأمنية، أو غير ذلك. كل ما قيل أو سيقال في هذا الخصوص لا قيمة له ولا تأثير لأن ما نتج عن اللقاء بين الطرفين أعلن عنه بوضوح.
أما ردود فعل دول مثل سوريا التي اهتمت الفضائيات «السوسة» ببث تصريحات لما قالت عنه «مصدر رسمي في وزارة الخارجية»، وتهجمه على بعض دول التعاون وقوله كلاماً ناقصاً فتدخل في باب انتهاز الفرصة للانتقام والتعبير عن عدم الارتياح من بعض مواقف هذه الدول مما يجري في سوريا وعدم اتخاذها موقفاً يعزز الظلم الذي يمارسه النظام هناك وسعيها للانتصار للحق بدعم المعارضة المعتدلة. والأمر نفسه فيما يتعلق بردود الفعل الإيرانية من قول رئيسة الوزراء البريطانية التي قالت «إن هناك تهديداً تقوم به إيران في الخليج ونحن ملتزمون بشراكة استراتيجية لمواجهة تلك التهديدات» وكذلك قولها «أمن بريطانيا من أمن الخليج» فمثل هذا الكلام تعتبره طهران عدائياً ومعيقاً لتحركها وما خططت له ومن الطبيعي أن تقول كل ما قالته في هذا الخصوص، وكله كلام ناقص ولا قيمة له.
إن عبارة مثل «دول مجلس التعاون تتطلع إلى تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع بريطانيا» التي قالها صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى خلال الجلسة المشتركة للقمة الخليجية البريطانية لا بد أن تشعر إيران بالقلق الذي زاده أيضاً ما احتواه البيان الختامي للقمة من نقد مباشر لها بسبب كثرة أخطائها ومواقفها السالبة، فمثل هذه العبارة تعني أنها ستواجه الكثير من الصعوبات التي ستحول بينها وبين تحقيقها لأهدافها وتطلعاتها المتمثلة في تسيد المنطقة وشغل أي فراغ ينتج عن غياب أمريكي محتمل.
من حق دول مجلس التعاون أن تحمي نفسها وتدافع عن شعوبها وأن تبحث عن مصالحها.