في الوقت الذي تجري فيه عمليات التطهير العرقي والمذهبي في شمال سوريا على العلن وفي بث مباشر أمام شاشات التلفزيون، لابد لنا من استذكار عملية أخرى تمت بصمت هي التطهير العرقي والمذهبي الممنهج لأشقائنا العرب في الأحواز وغيرها من الأراضي العربية المحتلة على الساحل الشرقي للخليج، خليجنا العربي.
فمنذ قيام إيران باحتلال الأحواز وبندر عباس وبندر لنجة في العام 1925، وإسقاط الحكومة الشرعية في الأحواز بقيادة الشيخ خزعل الكعبي، عمل حكام طهران بشكل منظم على ممارسة أقذر أنواع التمييز العرقي وحتى المذهبي ضد أبناء هذه المناطق، فمن كان منهم شيعياً لم يشفع له مذهبه، ومن كان منهم سنياً لم تشفع له مواطنته الصورية التي فرضت عليه.
لكن هذه الممارسات أخذت بعداً أسوأ وأكثر عدوانية بعد عودة إيران إلى القرون الوسطى في العام 1979، حين تسلم الملالي السلطة بعد أن غدروا بحلفائهم وشعبهم. ومثلت الحرب العراقية الإيرانية غطاء نموذجياً لممارسة أسوأ درجات العنصرية الفارسية تجاه أبناء الأحواز، فعلى الرغم من الوجه الديني الذي ارتداه الملالي إلا أن ممارساتهم العنصرية والتمييزية أخذت بعداً جديداً حيث تم إجلاء أهالي الأحواز إلى مناطق أخرى في إيران بحجة الحرب ولم يتم السماح لهم بالعودة بعدها، كما تم تجاهل إعادة الإعمار في مناطق الأحواز التي يسكنها العرب بعد انتهاء الحرب إضافة لإعدام الآلاف بحجج واهية مثل عدم الحماس للحرب أو التعاطف مع العراق على خلفية قومية.
وتمثل قصة المترجم والأديب الأحوازي رحيم حامد نموذجاً لهذا القهر والتنكيل الممنهج كما رواها هو بنفسه على صفحات الإعلام الغربي بعد لجوئه، فالرجل الذي كان طالباً متفوقاً في جامعته اختطف وتعرض للتعذيب اليومي والمحاكمة لعدة سنوات بما في ذلك الاغتصاب المتكرر ولم يتم الإفراج عنه إلا حين وصلت صحته إلى الحضيض، وكل ذلك لأنه اقترح في جامعته إقامة معرض لتراث مدينة الخلفية الأحوازية التي ينتمي إليها ويقيم فيها وقتئذ. وفي العام 2014 تم إعدام عدد من الأدباء الأحوازيين بتهمة الفساد في الأرض وكل ما فعلوه كان تنظيم عدد من الدروس المجانية لتعليم اللغة العربية لأبناء المنطقة.
وازداد جنون الطغمة الحاكمة في طهران عندما بدأ بعض الشباب الأحوازي منذ بداية التسعينيات بالتحول من المذهب الشيعي إلى المذهب السني كنوع من الاحتجاج الصامت على عنصرية ووحشية النظام الإيراني، خاصة بعد أن استخدم الإيرانيون مبدأ تقليد المراجع لتحريض بعض العوام على أبناء بلدهم الذين كانوا يطالبون بحقوق أهالي الأحواز. ويتعامل النظام الإيراني بوحشية مع من يتحول للمذهب السني حيث بات «التسنن» أو «الوهابية» تهمة توجه للمعتقلين وحتى النشطاء العلمانيين، وغالباً ما يتم اتهام الناشطين العرب في إيران بالترويج للتطرف، وبالتالي سجنهم سنوات طويلة أو إعدامهم بتهم «محاربة الله والرسول» أو «الإفساد في الأرض».
ومع أن إقليم الأحواز يضم نحو 85% من النفط والغاز الإيراني، و35% من مصادر المياه في إيران، إلا أن السياسات الممنهجة لكل من الشاه والملالي أدت لإفقار هذا الإقليم بحيث غدا اليوم أفقر الأقاليم الإيرانية، وكل ذلك نتيجة الإفقار الممنهج واستغلال خيرات الإقليم لصالح إقليم فارس المحدود الموارد، إضافة لتركيز قطاع الأعمال والوظائف الحكومية في الإقليم في يد المستوطنين الفرس الذين أقاموا في الأحواز مستوطنات فارسية على غرار المستوطنات الصهيونية في فلسطين، ولكن بمستوى أشد من العنصرية، فإسرائيل تسمح للفلسطيني أن يتكلم بالعربية ويصلي في المسجد، رغم كل ما تقوم به من تضييق، بينما إيران لا تسمح للعربي في الأحواز بالحديث بلغته، وتمنعه إذا كان سنياً من بناء مسجد أو أداء عباداته.
وهذه مجرد أمثلة على حالات عديدة يضيق المجال عن حصرها تظهر بما لا يدع مجالاً للشك حجم ما يتعرض له الشعب الأحوازي الشقيق من قبل سلطات الاحتلال الإيراني الغاشم، ونعتقد في هذا السياق أن الدول العربية وفي مقدمتها دول الخليج مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى للتعامل بأسلوب مبادر مع قضية الأحواز ومع أشقائنا الأحوازيين ولدينا سابقة في الجامعة العربية تمثلت في الاعتراف بجبهة تحرير إريتريا كممثل للشعب الإريتري قبل استقلاله عام 1992، وما تلا ذلك من فتح مكاتب تمثيلية لها في مختلف العواصم العربية وتقديم دعم معنوي ومادي وصل إلى تخصيص منح جامعية للطلاب الإريتريين، فهل نفعل لأشقائنا الأحوازيين شيئاً من ذلك؟