يبدو أن المعارك التي كانت تتمتع بنكهة سياسية خالصة في عالمنا الإسلامي أخذت بالانحراف الواضح نحو الجهة المذهبية، فالصراعات وبعض الأزمات كانت تحمل طابعاً سياسياً واضحاً للغاية، لكن اليوم أخذت الأزمات تهرول سريعاً نحو الأنفاق الطائفية، مما يعني أن بعض الحلول بدأت تتعقد، بل بدأت علامات التأزم والتأزيم تبدو واضحة بين أبناء هذه الأمة، ففي الوقت الذي يمكن أن تتفاوض فيه الدول حول بعض الاختلافات السياسية فيما بينها بشكل سلسل نجد أن غالبية الشعوب الإسلامية لا تنفك عن تحويل الصراع إلى حرب دينية أو مذهبية طاحنة.
لا ندري ما الفائدة التي نجنيها حين نحور المعارك السياسية إلى جهة المذهب الضيق؟ ولماذا ينقاد المسلمون إلى حتفهم بسبب معارك طائفية لم يسلم منها الكبير ولا الصغير، لا الجاهل ولا المتعلم، لا الإسلامي ولا حتى الملحد، فكميات الضحك التي تنتابنا ونحن نتابع التصفيات الإسلامية الإسلامية بين أبناء الطوائف الإسلامية كبيرة للغاية، ولربما نتحير ماذا يمكن أن نطلق على هذا الجنون المذهبي؟
هناك العديد من الجهات المستفيدة من هذه الصراعات المذهبية وتغذيتها بالشكل المريع، وعلى رأس تلكم الجهات تعتبر الدوائر الاستخبارية العالمية هي «الرقم واحد» في القضايا التي تتعلق بإثارة الفتن وإشعال الصراعات الفتنوية بين المسلمين والتي تتفنن باللعب على أوتار المذاهب مستفيدة من الفراغ السياسي الذي تعيشه بعض مناطق الصراع داخل الدول الإسلامية إضافة إلى أنها استطاعت استثمار التاريخ وتوظيف حساسياته في صراعات الحاضر بشكل لا يخلو من الخبث والدهاء، بينما نجد المسلمين غارقين في خدر المذاهب وحمايتها والذود عنها، دون إعمال عقل أو يقظة ضمير، وهذا ما يجعل الحل السياسي في غالبية مناطق الصراع الطائفي صعب المنال، إن لم يكن مستحيلاً، لأننا حين نتجه للجهة اليمنى والحل يكمن في الجهة اليسرى فمن المؤكد أننا لن نصل إلى هدفنا مهما مشينا من الخطوات، وهذا ما يحدث لنا تماماً حين نفتش عن الحلول السياسية بأدوات طائفية ومذهبية طائشة.
يجب على المسلمين أن يستيقظوا من أوهامهم كما يجب عليهم أن يستعملوا الأدوات الصحيحة التي توصلهم لبعض النتائج والحلول، أما ما يقومون به اليوم من إراقة للدم الحرام نصرة للطائفة أو المذهب فإن هذا هو الجنون «بعينه»، وهم بذلك يكررون ما كرره المسيحيون قبل أكثر من 500 عام من الصراعات الدينية الدموية في أوروبا، دون الوصول إلى نتيجة تذكر إلا بعد أن رجعوا إلى أنفسهم فكانت أوطانهم هي المحور وليس المذهب وأن الإنسان هو الأهم وليست الطائفة. هذا هو الوعي «المنقوص» الذي نحتاجه اليوم وليس «بكره».