في أحد خطاباتي الأخيرة أثرت تساؤلاً حول ما «إذا كنا نزرع في بعضنا البعض حب الأمل والتعلم والطموح والتحدي؟ أم كنا نقوم بإثراء أنفسنا بالسلبيات التي لا تنتهي لترك القطار بغنائمه يجري لأعدائنا الذي يتربصونه لاحتكار كل غنائمه لاستغلاله فيما يضرنا ولا ينفعنا؟».. لم أكن حينها أعلم كيف نقوم فعلاً بزرع حب التعلم والتحدي في بعضنا البعض في عالم تتناثره السلبيات اللامتناهية في إعاقة سير «النصيحة» أصلاً، فما بالنا بزرع المبادئ التي تحث على التحدي والكفاح!!
لكنني وجدت الإجابة مؤخراً.. وذلك في عالم «التوستماسترز»، أنه فعلاً عالم يحتوي نخبة من المبدعين والمحترفين الذي يعتبرون مثالاً للتحدي في إعلاء الكلمة من الاندثار.
تابعت مؤخراً مسابقة «الشباب في فنون الخطابة» التي نظمها مركز الأمم المتحدة للإعلام لبلدان الخليج العربي بالتعاون مع نادي «ليونز العرين» و«النادي العالمي للإعلام الاجتماعي».. وجدت من خلاله فعلاً عالماً من «التوستماسترز» المحترف والمتخصص في إلقاء الكلمة، بحيث تكمن الاحترافية في كيفية استخدام الكلمة لإبهار المستمع لها.. وبالرغم من أن موضوع المسابقة هو واحد لكل المشاركين في الخطابة، حيث تمحور حول السلام والتنمية المستدامة، إلا أن طريقتهم لتناوله أبهرتني! فهناك من مثل الموضوع كمسرحية، وهناك من مثله بأبيات شعرية، ومنهم من مثله بأدبيات متراكبة وجميلة.. أساليب مختلفة لموضوع واحد.. هذا هو فن الإلقاء وفنون استخدام الكلمة.
دعوني أعرفكم بهذا العالم المبهر.. إن تاريخ «التوستماسترز» يرجع إلى عام 1924 عندما أسس د. رالف سميدلي منظمة «التوستماسترز» العالمية في كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بهدف مساعدة الأعضاء لتنمية مهاراتهم في التواصل والخطابة الجماهيرية والقيادة، فضلاً عن تعليمهم كيفية توظيف الطرافة وحركة الجسد والتواصل البصري وترتيب الأفكار وكيفية الإلقاء المميز.
الابتكار أم الاندثار..؟ ليس مجرد شعار ترفعه بعض الأمم والشعوب لتجعل نفسها في سباق التقدم والصدارة وإنما هو أسلوب حياة ومؤشر للبقاء، كانت هذه الكلمات القوية هي بداية خطب أحد المشاركين المخضرمين في فنون الخطابة.
فعلاً، لقد تعدينا مرحلة الإيمان بأن «الكلمة» قد تبني وقد تهدم، فالآن نحن في مرحلة إضافة «المكياج» على كلماتنا كخطوة تنفيذية لمهارة استخدام الكلمة في التأثير والإقناع، لنكون أعضاء فاعلين في المجتمع.. كمؤشر فعلي لأسلوب حياة جديدة ومؤشر للبقاء الفعال.
وتيقنت حينها أننا بقدر خوضنا بقوة وبلهفة في استخدام التكنولوجيا الحديثة، فقد خسرنا أموراً مهمة في الوقت ذاته، وذلك عندما نرى البعض من مدمني التواصل الاجتماعي يصعب عليه نطق الأحرف صحيحة مثلاً! أو يصعب عليه تشكيل الكلمات! أو بالأحرى كتابتها صحيحة!! وكأننا في جيل امتحان أصابع اليد البناءة، وليس في جيل الكلمة القادرة على التغيير.
تيار منجرف في عالم سياسي خطير، لن يوقفه تعليق متكرر بأخطاء إملائية فادحة! بل ستغير مساره كلمة قوية رصينة متحدة.
صحيح، أن المدرسة لم تعلمنا متى نضع حزام الأمان في ظل أزمة السير المختلفة، بالرغم من تعلمنا لتلك المبادئ السامية المتمثلة في الإنصات للجميع، والاحترام والتعاون وغيره، إلا أننا في عصر يحاول البعض فيه تكميم الحق لنشر الباطل المتضمن للافتراءات والكذب، يجب علينا أن نخوض بقوة في هذا العالم.. من خلال الابتعاد عن الانصات غير المبرر عندما يتم الطعن في الحق أمامنا! وأن نستخدم الكلمة بقوة في رد الهجوم والدفاع من أجل وطننا وممتلكاتنا.
من منا لا يذهب لمراجعة طبيب العيون؟ من منا لا يقول له الطبيب «ابتعد عن الهاتف قليلاً حتى يخف وجع العين والرأس؟»، من منا من يستثمر وقته في التدريب على الكلمة بما يفيد نفسه ومجتمعه لاحقاً؟ من منا من يضيع جلّ عمره لمتابعة أخبار المشاهير والتعليق عليهم بما لا ينفع ولا يضر؟
شكراً لـ«التوستماسترز» على إعلائكم للكلمة وتحديكم المبهر لإبهار العالم بإنجازاتكم في استخدام الكلمة.