يخبرنا المهرة في الطبخ أن الأكلات اللذيذة تلك التي تستوي على نار هادئة، ولأن حياتنا كلها خاضعة لمطابخ الأخبار في الإعلام ومطابخ القرارات والمواقف في بيوتات السياسة ومطابخ الأفكار والرؤى لدى الباحثين والمنظرين والمحللين، أصبح جلياً كيف يمكننا الاستفادة من مطابخ الطعام وإسقاط تجربتها على العوالم المحيطة المختلفة. ولعل هذا ما يفسر خروج كثير من المحللين السياسيين قبيل القمة الخليجية الأخيرة -وأنا منهم- في الفضائيات الخليجية المختلفة للحديث حول أجندة القمة المرتقبة أيامها ووضع الاتحاد الخليجي ضمن أولويات القضايا المتوقع مناقشتها، بينما جاءت القمة مكللة بتغييب لافت لملامسة هذا الموضوع تحديداً «أي الاتحاد الخليجي»!!
لقد جاءت القمة الخليجية في ظروف عاصفة بالمنطقة من كل صوب وناحية، وفي ربط ملكي سعودي بالجولة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين لأربع دول خليجية تأكيداً على عمق الروابط والصلات ووحدة المصير والموقف المشترك، في خضم منجز خليجي تجلت آياته في أوجه عدة أبرزها التكامل الاقتصادي الخليجي الذي بلور الاتفاقية الاقتصادية الموحدة بين دول الخليج العربي ومنظومة العمل الاقتصادي المشترك، ليحقق جانباً من التكامل المالي ويقيم منطقة التجارة الحرة، والسوق الخليجية المشتركة، فضلاً عن تطبيق الاتحاد الجمركي الخليجي.
يأتي قبالة التكامل الاقتصادي تكامل دفاعي خليجي نشط مؤخراً على نحو لافت، ولعل آخر تجلياته بدت واضحة من خلال تمرين «أمن الخليج العربي 1»، ناهيك عن قوات «درع الجزيرة» التي تحقق من خلالها النموذج الأبرز للعمل الخليجي المشترك في المجال العسكري، إلى جانب الربط الاستخباراتي الخليجي لمواجهة الخلايا الإرهابية والأنشطة المختلفة التي تسهم في إذكاء النعرات الطائفية بما يسهم في تفتيت تماسك النسيج الوطني في الدول الخليجية أو إشاعة الاضطراب الأمني.
ويقاس على أشكال التكامل السابقة، التكامل في المجالات الأخرى مروراً بتوحيد المناهج التعليمية والعناية بالشؤون الاجتماعية والتنموية وحضور مفهوم «الاستثمار في الإنسان» على الساحة الخليجية بقوة، وتمكين المرأة والشباب، والعمل على تنفيذ شبكة مواصلات جديدة تقيم روابط بين الدول من خلال الجسور المزمع إنشاؤها والسكة الحديدية المرتقبة، فضلاً عن العمل على تنفيذ الربط الكهربائي والمائي، والتكامل الصحي في علاج الخليجي كالمواطن في دول الخليج العربية، فضلاً عن الصفقات الدوائية الخليجية المشتركة. ربما من اللافت للنظر أن العالم أصبح ينظر لنا ككتلة واحدة حتى قبل إعلاننا الاتحاد الخليجي.
* اختلاج النبض:
ونستلهم من رؤية الأمير سلمان بن حمد، أن «فكرة الاتحاد تتطور مع الممارسة، فنحن لن نستعجل الإعلان عنه بل نضع القواعد السليمة والقوانين والمشاريع المشتركة»، التي تنقلنا إلى الاتحاد الحقيقي. ولأن للاتحاد الخليجي عوائق يجب تذليلها -على نار هادئة- علينا الاستفادة من تجارب الاتحاد السابقة كالاتحاد الأوروبي، وبناء منظومة الخليج الوحدوية على أساسات قوية ومتينة.
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}