كثير من البشر يتأثرون بقصص معبرة ومقاطع مؤثرة تصلهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو يرونها في الأفلام وغيرها، وكثير من البشر تعجبهم المواد المقروءة أو المرئية والمسموعة التي تتضمن مواعظ وحكماً، بل هناك بشر شغفهم بات متعلقاً بالقصص الإدارية، والمواقف الإنسانية، ومواعظ بناء الفرد، وأساليب ونمط عيش الحياة.
لكن السؤال الهام هنا، كم شخصاً ممن يطربون لكل ما ذكرناه أعلاه، وممن يأخذهم الشغف تجاه كل هذه الأمور، كم منهم يطبقون ما يتعرفون عليه من معلومات جديدة، ومن أساليب مفيدة، ويترجمونها كواقع على أرض الواقع؟!
الإنسان الذي لا يتأثر بالمعلومات الجديدة، بالأخص المفيدة، هو إنسان يعاني من خلل في فهم الأمور. هذه نتيجة ثابتة لا مجاملة فيها، إذ طبيعة الإنسان جبلها المولى عز وجل على أنه مخلوق يتعلم منذ بداية حياته حتى موته، ليس هناك أمور «مطلقة» في حياتك، بالتالي من الجنون أن تقتنع بأنك ستظل كما كنت عليه قبل عشر سنوات، أو حتى قبل عشرة أيام، أن لم تتغير أو لم تتأثر بشيء، فإنك إما تعاني من «خلل عقلي» أو «موت دماغي»، إذ الغريب أن الجماد بنفسه يتغير مع تقادم الزمن.
حينما يعجبك شيء إيجابي لماذا يكون التأثر وقتياً، لماذا الإعجاب بالمضامين ينتهي بمرور دقائق أو ساعات؟! هذه النوعية من البشر هي التي لا تؤمن بالتغيير، بل تراه ضعفاً، وأنك حتى يعتبرك المجتمع شخصاً متمكناً، أو حتى في نظرتك لنفسك كشخصية قوية مستقلة، لا بد ألا تتغير، حتى إن كان التغيير للأفضل.
لم يخلق الإنسان عالماً، ولا مبدعاً، ولا خارقاً للعادة، التغيير المبني على العلم الإيجابي، التغيير المبني على التجارب، والتغيير المبني على الاستفادة من خبرات الغير واستكشافاتهم، كلها عوامل تصقل الإنسان وتغير تركيبته الذهنية.
أنت كإنسان أمامك طريقان لا ثالث لهما، الأول والأهم هو إن وجدت لديك الرغبة في التغيير وتطوير الذات والبحث عن الأفضل لتصحيح الأخطاء والزلات وإبدالها بإيجابيات، فأنت تتغير، والثاني أن تكون سلبياً، ذا تركيبة غير قابلة للتغير، وغير قابلة للتأثر، هنا أنت تحكم على نفسك بأن توقف الزمن وتغلقه على نفسك وكأنك في كبسولة، فلا تطور للذات يحصل، ولا تنام للخبرات يسجل، وهنا تصبح للمجتمع مجرد رقم، وتصبح بالنسبة لنفسك مجرد كائن بشري يتنفس ويأكل وينام وينتظر ساعة نهاية رحلته في الدنيا.
لذلك هنا أناس شغفهم هو «نقل الخبرة»، و«نشر المعلومات المفيدة»، و«مساعدة الناس»، وهنا لست أتحدث عن «المنظرين» الذين يحسسونك بأنك بدونهم إنسان ضائع تائه لا تعرف كيف تعيش حياتك، بل أتحدث عن أولئك الذين يكونون «منارة علمية» حقيقية، شغفهم مساعدة البشر بنوايا صادقة، لا سعياً لمسميات أو مواقع.
تظل أنت في الحياة كمن يدخل محلاً تجارياً ضخماً يضم ملايين البضائع، أنت صاحب القرار فيما تختار، أنت من تقرر امتلاك هذه السلعة أو تلك، أنت من ستبحث عن ضالتك، ولربما في بحثك المحدد تجد أموراً أخرى تستحق الاقتناء، وقد تغنيك عن الأمر الأول الذي تبحث عنه، وعليه في النهاية ستنتهي بعدة أمور في سلتك، لكن عليك أن تستوعب بأنك أنت من سيدفع الفاتورة في النهاية، فإما ستدفعها نظير أمور تفيدك في حياتك، أو تدفعها نظير أمور زائدة عن حاجتك، أو تكون مضرة لك.
تذكروا، الإنسان الذكي والناجح هو الذي يعرف تماماً كيف يستفيد من العطايا المتعددة الموجودة في هذه الدنيا، هو الذي يعرف كيف يقيم «النعم» باختلافها، ويحدد ما يفيده وما يضره، بالتالي لا تكن كمن يصفق فقط للشيء الذي يراه فيعجبه لثوان وبعدها ينتهي الأثر، بل على العكس، خذ المفيد واترك عنك ما لا يفيد، تعش في دنياك منتجاً وراضياً وسعيداً.