منذ فهمنا للحياة في البحرين وعلماء الدين كانوا حائط الصد الوطني لكل معترك سياسي أو طائفي أو غيرهما، فكان عالم الدين هو الوجيه والحكيم وزعيم العقلاء في المجتمع البحريني، فبالإضافة إلى دوره في توجيه الناس وإرشادهم نحو الفضائل والقيم الشرعية للدين الحنيف كان له دور بارز في حل قضايا الناس وتوجيههم لبناء الدولة التي تعتبر مظلة طبيعية لكل مكونات المجتمع، ومن هذا الوعي بأهمية دور علماء الدين الراشدين لم نشاهد ولفترات زمنية طويلة عشناها على هذه الأرض أية احتكاكات مذهبية أو طائفية بين أبناء المجتمع الواحد لأن عالم الدين هو الضمانة الحقيقية لعدم اختلاط الدين بالسياسة أو تسييس الدين لمصالح فئوية أو شخصية أو طائفية.
هذا الوعي المتقدم هو ما أكد عليه سمو ولي العهد في لقائه الأخير عبر قناة «العربية»، حين قال «إن المجتمع قد أعطى رجال الدين منصباً أكبر من دورهم، وإن عالم الدين يجب أن يكون مختصاً بالدين وعلوم والشريعة» كما أكد سموه عن عدم رضاه «من استغلال البعض للدين من أجل السياسة». إن طرح هذه المفاهيم المهمة وفي هذا التوقيت الحساس «بالذات» يعطينا بعض المؤشرات التي من خلالها يمكننا معرفة ما وصلنا إليه من كوارث بسبب السقف المفتوح الذي أعطيناه لرجل الدين حتى تمكن من تشغيل الدين لمصالحه الطائفية أو الحزبية بشكل مقيت متخطياً بذلك دور الدولة ودور مؤسساتها، بل وصل الحال أن قام بعض رجال الدين بدعم الإرهاب حول العالم وبعضهم استطاع جني ثروات طائلة من خلال الدعوة إلى الإسلام السياسي المشكوك في نزاهته أصلاً، كما أن بعض مواقف رجال الدين كانت تصب في صالح قوى سياسية مشبوهة أو متورطة بالعنف والإرهاب، ولهذا فإن تلميح سموه بضرورة تحييد هذه الفئة التي أُعطيت أكبر من حجمها بات أمراً ملحاً أكثر من أي وقت مضى، ومن أجل إعادة دور عالم الدين إلى مكانته الطبيعية داخل المجتمع دون أن يهمش ومن دون أن يعطى مطلق الصلاحيات يجب أن نعترف بأهمية دوره في الحدود التي نحمي من خلالها مكتسبات الدولة والمجتمع وفي كونه حائط صدٍّ لكل الإرهاصات السياسية التي يحاول أتباعها استغلال الدين لمصالحهم الشخصية والطائفية بشكل واضح وصريح. يجب أن يكون عالم الدين هو الحكيم العاقل الوسطي وليس القاضي على توجهات الناس أو المحرض على الكراهية شأنه في ذلك شأن أي سياسي آخر. يجب أن تعمل الدولة بتوجيهات سمو ولي العهد في هذا الشأن وأن تتلافى كل معارك الدين عبر بعض رجالاته المنفلتين من كل أبناء الطوائف والمذاهب، وهذا الأمر يبدأ من داخل الأسرة البحرينية ومن داخل المدرسة والمؤسسات التعليمية العليا وكذلك من داخل المجتمع والدولة قبل فوات الأوان وقبل أن نندم على فرصة تقليص دور رجال الدين الذين أعطيناهم أكبر من دورهم حسب تعبير سمو ولي العهد أو أننا أعطيناهم ما لا يستحقونه من دور حساس ومهم داخل مفاصل المجتمع، لتكون الدولة المدنية هي الحاكمة وهي التي تتكلم باسم الناس وليس أحداً غيرها.