من الضروري تدريب صغارنا على الحرية واختيار قناعاتهم حسب المنطق والدليل العلمي، فنحن في زمن يكون فيه إكراه هذا الجيل «المتعلم» على فكرة ما أو عقيدة ما أمراً مضحكاً وسخيفاً للغاية، فالضغط على وعي الشباب المتعلم من خلال فكرة التلقين الساذج يعتبر من أخطر الأمور في هذا العصر، فالتشدد الديني لا يخرج إلا من عباءة الضغط والإكراه، فالمجتمعات الحرَّة التي تختار وعيها وأفكارها بكامل إرادتها لا يمكن أن تتطرف أو تتشدد أو تتجه نحو العنف أو الإرهاب.
وحدها المجتمعات المنغلقة أو المجبرة على اعتناق فكرة ما لها قابلية التطرف أو الانزلاق نحو الإرهاب، ولهذا وجب على المربين والقائمين على تربية هذا الجيل أن لا يلزموا شبابنا على الالتزام القسري بأفكار أو قيم معينة، فواجبهم الأخلاقي يحتم أن يناقشوهم ويعرضوا أفكارهم عليهم بشكل علمي وموضوعي بعيداً عن لغة التهديد والوعيد، فأكثر شبابنا الذين انضموا لقوافل الإرهابيين عبر العالم لم يأتوا إلا من خلال فكرة «الجبر»، ولو أُعطوا مساحات كافية من الاختيار الحر لرأيناهم في مكانٍ مختلف من العالم المتحضر وليس على جبهات القتال الساخنة والعنيفة ينامون في كهوف دول مختلفة. يجب أن يستوعب العالم الإسلامي اليوم أن فكرة التلقين التربوي باتت نائمة منذ زمن طويل في متاحف الأفكار البالية والمتخلفة، فعصرنا هذا يجبر كل مربٍّ أن يتعامل بحذر مع هذا الجيل الذي يرى المستقبل بعينٍ مختلفة وبعقلية متحررة، فإذا أُجبر على اقتناع فكرة تخالف قناعاته فإنه سوف يكون مضطراً لأن يسلك درباً مغايراً لكل ما هو متوقع، وهذا ما رأيناه في الانتماءات الشاذة لكثيرٍ من شباب العالم الإسلامي حين توجهوا للقتال أو الانضمام لفصائل مسلحة كجماعة «داعش» وغيرها من المنظمات الإرهابية الشرسة في أكثر من منطقة من مناطق العالم.
يجب على الدول الإسلامية أن تنتهج فكراً مغايراً فيما يتعلق بقضايا التربية الحديثة وإلغاء المناهج التقليدية التي لم تفلح في احتواء شبابنا حتى هذه الساعة، بل على العكس من ذلك، فتلكم المناهج المتوحشة ربما رمتهم في أحضان التطرف حين أجبرتهم على اعتناق قيم لم يقتنعوا بها في يوم من الأيام، ولهذا يجب أن يعطى شبابنا فرص التفكير الحر بعيداً عن الإملاءات والحشو الجاهز والتلقين الأعمى، فهذا الزمن يختلف عن الأزمنة الغابرة، فنسبة التعلم والتعليم ارتفعت بشكل مريح للغاية، ولهذا يجب أن تقابلها نسبة موازية لها في فضاءات الحرية حتى لا نخسر ما تبقى من شبابنا الذين كان أحرى بهم أن يكونوا في ساحات العلم والمعرفة وليس في سوح القتال وفي المعركة «الغلط».