إن مقياس وعي الشعوب هو في مقدرتها على القراءة والكتابة، هذا في السابق، أما اليوم وبعد أن أصبحت غالبية الشعوب تجيد القراءة والكتابة فإن مقياس وعيها أصبح يرتكز على نوعية ما تقرأ من الكتب وما تكتب، فبالأمس كانت القراءة تكفي لتشكيل نسبة جيدة من الوعي أما الآن فمن حقنا أن نعرف ماذا نقرأ حتى نستطيع معرفة مقياس وعينا بين بقية الشعوب الأخرى، فالقراءة المجردة ليست معياراً حقيقياً لمستوى وعينا في هذا العصر، وإنما نوعية الكتاب هي ما يميز وعينا وإدراكنا.
مع كل معرض للكتاب في البحرين نلاحظ مجموعة من الظواهر السلبية التي تقع في دائرة النقد والفحص، لعل من أهمها هو اتجاه شبابنا للكتب السطحية التي لا تتناول إلا القشور فقط، بينما نجد الكتب الغزيرة بالوعي والمعرفة لا صديق لها في معارض الكتاب، فشبابنا العربي يقرؤون الروايات التي لا قيمة لها ولا وزن، تلكم الكتب والروايات التي يؤلفها مجموعة من المراهقين الصغار الذين لا يملكون الخبرة الكافية من الوعي والتجرية، تاركين خلف ظهورهم أهم الكتب الثقافية والفكرية التي تزخر بالعلم والمعرفة ورسم المستقبل في مشهد مؤلم نراه كل عام.
في معرض الكتاب نشاهد شاباً يافعاً يعرض رواية تافهة بكل صلافة وجرأة فيهرول خلفه مئات الشباب والشابات كي يقدم نفسه إليهم فيقوم بعد ذلك بالتوقيع لهم على روايته الساذجة، في المقابل نجد دور النشر العريقة التي تستقدم أروع الكتب الفكرية والفلسفية والعلمية خاوية على عروشها، وهذا الأمر من أبرز مآسينا الثقافية التي أوصلتنا لحالة لا تسر عدواً ولا صديقاً.
لا نعلم حقيقة أين مكامن الخلل، هل هي في دور النشر التي لم يعد يهمها سوى الربح المادي من بيع الكتب؟ أم أنها أزمة جمهور المعارض التي تقتات على سطحية الكتاب ومحتواه الفراغ؟ لكن بكل تأكيد سيكون معرض الكتاب بريئاً من هذه الظواهر المخجلة، فالمعرض لا يتحمل أزمة دور النشر التجارية ولا يتحمل أزمة ضعف وعي المؤلفين كما أنه بريء من سطحية الجماهير التي لا تعرف ما يجب أن تختاره من الكتب.
نحن في أمس الحاجة لتطوير وعي شبابنا ولفت انتباههم بأهمية ما يجب أن يقرؤوه من كتب ثقافية وعلمية وليس بكمية الكتب التي يشترونها من معرض الكتاب أو اهتمامهم بتوقيع الشاب اليافع صاحب الرواية القبورية التافهة، فمعرض الكتاب هو فرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة في العام الواحد، ومن هذا المنطلق يجب علينا توجيه الشباب القارئ نحو الكتب المهمة التي تستحق القراءة في عصر أصبح كل ما حولنا ينطق بالسفاهة والمال.