بلادنا تزخر بالكفاءات، منها من حظي بفرصة طيبة فأبدع وتطور ووصل لمراتب من خلالها خدم البحرين وأهلها، ومنهم من ينتظر دوره ليعطي ويتميز، ومنهم من يصارعون الصعوبات والعراقيل التي توضع أمامهم وتطرأ لأسباب شتى.
لكن الجميل في البحرين تقديرها لكفاءاتها، أقلها غالبية منهم، وهي مسألة طالما أكدنا أهميتها، إذ من المحزن أن ننسى أحداً، أو لم نقدره على عطائه، أو حتى لو لم نقل له «شكراً».
بالتالي حينما نرى لحظات التقدير والتكريم التي تطال الكفاءات البحرينية فإننا نفرح بالضرورة، نفرح للشخص الذي استحق هذا التقدير، ونفرح لأن «ثقافة التقدير» مازالت موجودة بيننا ولم تندثر.
أنتهز هذه السطور هنا في آخر مقال لعام 2016، لأزامنها مع مسيرة رجل وطني مخلص رفيع القامة، أنهى بنهاية هذا اليوم مسيرة عطاء طويلة، خدم فيها بلاده، وذلل صعاباً كثيرة أمام أهل هذه البلد، ومازال حتى يومه الأخير في العمل يجتهد ليساعد الناس ويخدمهم.
الرجل الذي تفخر قرية الزلاق العريقة بأنه أحد رجالاتها وأحد وجهائها في الأخلاق والكرم والعلم والمودة، الدكتور عبدالله المطوع وكيل وزارة التربية والتعليم، الذي قرر أن يترجل ويدخل حياة التقاعد، بعد مسيرة مليئة بالإنجازات والعطاء، والتي فيها كسب احترام الناس وحبهم وتقديرهم له.
مثل هذا الرجل الذي عرفناه منذ صغرنا ونحن طلاب، ولا ننسى وقفته الدائمة على يسار صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر أعطاه الله الصحة وطول العمر، في عديد من احتفالات التخرج لجامعة البحرين وعيد العلم وغيرها من محافل، يناوله شهادات التخرج لأجيال متعاقبة من أبناء البحرين، مثل هذا الرجل يستحق ممن عاصره وتعامل معه «وقفة تقدير» وسطوراً تكتب بـ«الحق»، نظير ما قدمه.
شخصياً، أكثر ما يعجبني في الدكتور عبدالله المطوع هي «صراحته» و«جرأته»، فهو رجل لا يخشى قول الحق، وحينما تتعامل معه ككاتب وصحافي لا يعاملك بأسلوب «الدبلوماسي» الذي يتمثل فيه كثير من المسؤولين، بل صراحته اللافتة تبرز سريعاً من خلال ردوده، فإما يجيبك مباشرة إن امتلك المعلومة، أو رأى ضرورة إعلانها ونشرها، أو يخبرك بصراحة أن هذا الموضوع غير قابل للنشر أو أنه يتعلق بإجراءات داخلية في وزارة التربية والتعليم.
شخصياً، أحترم مثل هذه الشخصيات التي تتعامل معك بوضوح، لأننا وصلنا للأسف لزمن يطالعك فيه المسؤول بابتسامة عريضة، وقد يقبل عليك مهللاً، ويمتدحك ويعاملك بأسلوب يخيل للمتابع أنه أقرب صديق لك، لكن حينما تدير ظهرك تنقلب هذه التعابير لما يشبه الكراهية والتوجس وحتى إطلاق عبارات الذم، لأنك في النهاية كاتب وتمثل السلطة الرابعة التي تفرض عليك الرقابة والانتقاد للقطاعات العامة.
بالتالي، الدكتور المطوع هو أحد الأمثلة والنماذج الجميلة التي أتمنى أن أرى استنساخاً لها في قطاعاتنا، وهذا لا يعدم وجود شخصيات على نفس الشاكلة نكن لهم كل الاحترام والتقدير، فبهم تفخر البحرين وبمثلهم يجد الناس الحلول لمشاكلهم، فهم الآذان الصاغية لهمومهم.
الدكتور الذي بات يمثل أحد «الرموز» البارزة في الزلاق، ترى الناس يصلونه حتى بيته، يطرحون عليه قضاياهم المتعلقة بالوزارة، وهو بدوره يفتح مجلسه بشكل أسبوعي، بابه مفتوح لأي شخص، أكان مسؤولاً كبيراً أو حتى حارساً لمدرسة أو عاملاً بسيطاً، لا يرد أحداً، ولا يتنصل من الرد على مكالمات أحد. دكتور بليغ في كتابة الشعر، ناقد جيد لما يقرؤه، أب طيب، وصديق تعتمد عليه، فيه من الأخلاق ما يجعلك تحترمه أشد الاحترام، عطاؤه وخدمته للبلاد كلل بالتقدير الملكي من قبل جلالة الملك حمد بأوسمة تسجل اسمه في تاريخ البحرين كأحد الشخصيات المعطاءة، وإشادات سمو رئيس الوزراء شهادة يحق له أن يفخر بها، ناهيك عن حب الناس له.
وهنا التقدير يسجل لوزارة التربية ووزيرها لتكريمهما الدكتور المطوع في آخر يوم عمل له، هو يستحق أكثر من ذلك، ونتمنى ألا يكون هذا هو آخر مشواره مع العطاء في المجال التعليمي والتربوي، فمثله ممن يمتلكون المعرفة والخبرة، والتي هي كنز لا بد وأن يورث للأجيال القادمة.
القلب الأبيض لقرية الزلاق الدكتور عبدالله المطوع شكراً لك، جزاك الله خيراً على ما قدمته في مسيرتك، وكتب لك الراحة والسعادة في القادم من الأيام، وتظل أحد الشخصيات البحرينية التي نفتخر بها.