رغم عدم توفر العوامل التي تعين على سلك طريق التفاؤل في العام الميلادي الجديد الذي يبدأ اليوم – والحديث عن الوضع العام في الوطن العربي – إلا أن التفاؤل بحد ذاته أمر طيب، فقد يفضي إلى الخير المرتبط باسمه، ذلك أن التشاؤم من شأنه أن يزيد من تعقيد كل ما هو معقد ويدخل الجميع في حالة نفسية لا ينتج عنها سوى المزيد من العوامل المعينة على التشاؤم.
التفاؤل عبارة عن إعلان عن وجود أمل يمكن التعلق به ويوفر مساحة من الحلم، بينما التشاؤم يغلق كل باب أمل ويؤثر سلباً على الهمم ويسهل من ثم إضاعة كل فرصة قد تتوفر في غفلة من الزمن. ومع هذا ينبغي عدم المبالغة في التفاؤل لأن الصدمة الناتجة عن عدم تحقق شيء تم التفاؤل به أكثر صعوبة وثقلاً على المرء من أي ناتج في حالة التشاؤم أو عدم إعطاء التفاؤل مساحة أكبر.
هنا مثال، قبل أن يلفظ العام الميلادي الماضي أنفاسه، دعا أحد المثقفين العرب منظمة التعاون الإسلامي إلى إصدار بيان يتضمن الإعلان عن أن 57 دولة إسلامية ستقطع علاقاتها الدبلوماسية بالولايات المتحدة إذا نفذ الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب وعده بنقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة. هذا يعني أن الداعي إلى هذا الأمر متفائل أكثر من اللازم والسبب هو أنه لا توجد ولا دولة من الـ 57 دولة إسلامية التي ستوقع على القرار، لو وقعت عليه، يمكن أن تقطع علاقاتها بأمريكا، ليس فقط لأن الاتفاق على هذا الأمر صعب ولكن لأنه غير ممكن من الناحية العملية.
مثل هذه الدعوات في حد ذاتها أمر طيب ولكن تنفيذها ليس صعباً فقط ولكنه غير ممكن أيضاً، هذا يعني أن التعلق بأمل تحقق مثل هذا الأمر ناتجه الطبيعي هو حصول صدمة نفسية تؤدي إلى انكماش مساحة التفاؤل في حياة الإنسان العربي والمسلم وازدياد مساحة التشاؤم.
هذا لا يعني عدم التفاؤل ولكن النظر إلى الأمور بمنظار واقعي. جميل مثلاً أن نتفاءل بانتهاء الحروب هذا العام في سوريا والعراق واليمن، لكن جميل أيضاً، بل أجمل، لو تم النظر إلى تطورات الأوضاع في هذه الدول بواقعية، فلا نغرق في التفاؤل ونصدم وتزداد عقدنا، وفي نفس الوقت لا نجعل التشاؤم يهيمن على تفكيرنا فيطفئ كل بارقة أمل نحتاجها لنتزن.
العام الميلادي الجديد هو في واقع الحال امتداد طبيعي للعام السابق له، لن يشهد أي تغير إيجابي ما لم تتغير الظروف على الأرض، وهذه الظروف لا تتغير بالأماني ولكن بالعمل وبتوفر العوامل التي تؤدي إلى التغيير المنشود. حتى هذه اللحظة وللأسف الشديد لا يوجد ما يجعل العربي المسلم يتفاءل بهذا الجديد، بل إن التوقع بسيطرة السالب على الموجب فيه هو السائد وهو المسيطر. يكفي تذكر ما وعد به ترامب مواطنيه فترة انتخابات الرئاسة الأمريكية وما صرح به بعد فوزه بشكل واضح، يكفي تذكر هذا للانحياز إلى النظر إلى الأمور بواقعية، وتوقع ما يمكن أن يحدث خلال هذا العام الذي سيشهد الشهر الأول منه تسلمه لمقاليد الحكم في الدولة المهيمنة على الكثير من أسباب الحياة في هذا العالم.
العام الجديد سيكون «ترامبياً» حتى النخاع وستتأثر فيه علاقة الولايات المتحدة بكثير من دول العالم، وفيه ستمرح إسرائيل حتى الثمالة، وسيشهد تطورات لو تم النظر إليها بواقعية لن يقال عنها إلا أنها صعبة بل صعبة جداً، ومع هذا ليس من عاقل يؤثر التشاؤم على التفاؤل ولكن بالتأكيد لا يوجد عاقل يدعو إلى إعطاء التفاؤل مساحة أكبر من اللازم.