ألا فاعلم أن خامنئي بنفسه هو من يعين رئيس تحرير جريدة «كيهان»، ليس هذا فحسب بل خذ الأعظم.. في أغسطس عام 2015 تحدث المستشار الثقافي للرئيس حسن روحاني، حسام الدين أشنا، إلى وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية في يوم الصحافيين الوطني في إيران، وتطرق إلى موضوع وسائل الإعلام الممولة من قبل المؤسسات العسكرية، وأضاف «أنّ تكاليف العديد من وسائل الإعلام اندرجت تحت ميزانية الدفاع».
إذا هذا هو موقع الإعلام في حرب إيران ضدنا، موقع يتوسط وزارة الدفاع، وذلك لأنه ينظر لمشروعه السياسي على أساس أنه مشروع حربي متكامل، الإعلام جزء لا يتجزأ من آلته الحربية، لهذا كان تقديره لأهمية الإعلام كسلاح ضمن وزارة الدفاع.
ومن يقول إن هذه النظرة إلى الإعلام هي نظرة متخلفة تبحث عن عسكرة المؤسسات المدنية فلينظر إلى الجهات التي تمول القنوات الإخبارية في الدول الديمقراطية العريقة، فهي الأخرى تمول ميزانيتها من ميزانية الحزب السياسي، فمن يمول قناة «فوكس»؟ على سبيل المثال وهي قناة إخبارية أمريكية، إنه الحزب الجمهوري وهو حزب سياسي، إنما لكل حزب سياسي يطمح للحكم قناته التلفزيونية الخاصة كي تخدم هذه القناة سياسة الحزب وتروج لأعضائه ومرشحيه، وكذلك كي تحارب خصومها من الأحزاب الأخرى.
فإن رأيت أن مساحة الحرية النقدية مفتوحة على رئيس الولايات المتحدة ويتم السخرية منه والنيل من شخصه ومن أدائه على قناة كقناة «فوكس نيوز» على سبيل المثال، فلا تقل إن السبب هو ارتفاع سقف الحرية في دولة ديمقراطية، بل اسأل إن كان الرئيس جمهورياً أو ديمقراطياً!!
الإعلام إذاً مشروع سياسي وليس مشروعاً تجارياً فلا يقاس بالربح والخسارة، بل يقاس بحجم التأثير وقدرته على التأثير، لا التأثير للترويج للقرار السياسي فحسب بل للترويج للقرار الاقتصادي كذلك.
ولم نذهب بعيداً، انظر إلى من هم بقربنا إلى من هم حولنا، وكيف يتعاملون مع الإعلام وخاصة مع القنوات التلفزيونية، انظر إلى قناة «العربية» على سبيل المثال، ها هي وسيلة إعلامية عربية تبذل قصارى جهدها للترويج للرؤية الاقتصادية لصاحب القرار الاقتصادي في المملكة العربية السعودية، إنما باحترافية، وما ذلك إلا لأن صاحب القرار الاقتصادي آمن بها وبكفاءتها وبقدرات شبابها السعودي، فسلم لها الصلاحيات، وسلم لها المعلومات وطلب منها إشراك وإقناع المواطن السعودي - وفق طريقتها ووفق أسلوبها ووفق مهنيتها - مفاهيم وقيم الرؤية وبالقرارات التي ستتبعها، وطلب منها تهيئة المجتمع السعودي لتقبل المتغيرات بما يمكنه من امتصاص رد فعل الناس السلبية وتحويل المواطن إلى شريك لا خصم.
ذلك علم وفن ومهارات وباختصار ذلك خبز يعرف كيف يخبزه خبازه، يستخدم الرقم والصورة وقوة الكلمة لإقناع الرأي العام لأنه يحترمه، لا يضطر للجوء إلى أساليب ما أنزل الله بها من سلطان، كأن يستخدم «عوير» لضرب فلان ومحاربة علان لإسكاتهم ومنعهم من التحلطم أو النقد أو السؤال، فإن انكشف «عوير» استبدله «بزوير» والمشكلة أنه حتى «زوير» انكشف بسرعة.
الخلاصة ما ترونه على القنوات المؤثرة في الرأي العام ليس سحراً وليس عملاً خارقاً، بل هو عمل مهني محترف يعمل على تفعيل ما خلق الإعلام لأجله وهو التأثير على قناعات الناس، يعمل على خلق الرموز والقيادات والتأثير على الذهنية، حتى يكون المتلقي شريكاً لصاحب القرار لا خصماً له.