تكلمنا بالأمس عن أبرز وأهم القضايا القلقة التي تعتبر من الهواجس المجتمعية والتربوية في عالمنا العربي ألا وهي قضية تأثر الشباب بالأفكار المتطرفة والمنحرفة ومدى غياب الدراسات والإحصاءات التي ترشدنا بشكل مباشر إلى هذه القضية وانتفاء الحل المثالي لهذه المشكلة التي تحولت اليوم إلى أزمة عالمية، وكذلك غياب دور المؤسسات والمنظمات الرسمية والمدنية في معالجة ظاهرة انتماء الشباب العربي تحديداً إلى منظمات إرهابية وتأثرهم الكبير بقيمها وأفكارها.
نحن على يقين بأن أكبر العوامل المساهِمة في تأثر شبابنا بأفكار ومفاهيم منحرفة عن القيم الصالحة هو تأثرهم المباشر بالمواقع الإلكترونية المشبوهة التي تدار من بعض الجماعات الدينية والسياسية الإرهابية المتطرفة عبر العالم، فحين نعطي صغارنا أجهزة ذكية أو ألواح إلكترونية حديثة ونختفي من حياتهم دون مراقبة المحتوى الذي يغذي أفكارهم ومعتقداتهم خصوصاً حين يختلون بتلك الأجهزة التي تحتوي على مئات بل آلاف المواقع الإرهابية المشبوهة والتي تدار من طرف جهات إرهابية دولية ومحلية وهم في الغرف المغلقة دون أن نقوم بتوجيههم أو إرشادهم لتجنب تلكم المواقع الإلكترونية المنفلتة والمنحرفة.
في متابعة عشوائية لبعض المقابلات التي تم إجراؤها مع بعض الشباب الذين تأثروا بالأفكار الضالة والمنحرفة والإرهابية في وطننا العربي يؤكد هؤلاء الشباب الصغار أن أكثر ما تأثروا به في هذا المجال هو تأثرهم المباشر والقوي بمحتويات مواقع التواصل الاجتماعي، فالكثير من المواقع الإلكترونية اليوم باتت منبراً خفياً للإرهاب ومادة دسمة للانتماءات المشبوهة نحو جهات ومنظمات إرهابية دولية، فحين نعطي صغارنا أجهزة مفتوحة على كل العوالم دون معرفتنا ما يتغذون به من أفكار وقيم في عصرنا الراهن فإننا نضع في أيديهم أسلحة فتاكة أو قنابل مؤقتة يمكن أن تنفجر في وجوههم ووجوهنا في أي وقت ممكن، فغياب دور الأسرة في متابعة ومراقبة سلوك صغارهم خصوصاً حين يلاحظ عليهم التغير الواضح والتوجه بشكل صريح صوب الأفكار المنحرفة يعتبر جريمة من طرف تلكم الأسر الغائبة، خصوصاً حين تلاحظ عليهم التغيرات ولا تحرك ساكناً لمعالجة هذه المشكلة، فتأخذ دور المتفرج الساذج وهي تشاهد شبابها وهو يتجه مسرعاً نحو الهاوية بفضل أجهزة نسلمها لهم في أياديهم دون معرفة المحتويات الخطيرة التي تضمها تلكم الأجهزة بسبب كسلنا الكبير وعدم رغبتنا في تحمل بعض العناء في تربية صغارنا لنجدهم في نهاية المطاف يتركون مقاعد دراستهم ومنازل أسرهم للتوجه إلى مناطق ساخنة تدار من طرف منظمات إرهابية وهم في غفلة من أمرهم في وقت لا ينفعهم الندم.
نداء صريح نوجهه لكافة الأسر العربية بأن يلتفتوا لشبابهم ليخصصوا بعض الوقت لمتابعة شؤونهم ويتركوا عنهم الكسل التربوي قبل وقوع الفأس في الرأس، فتوجه آلاف التونسيين - على سبيل المثال - إلى مناطق القتال في مختلف أقطار الوطن العربي يعطينا مؤشراً واضحاً على أن الأسرة العربية لا تعرف عن صغارها أي شيء سوى أسمائهم، أما ما يعتقدون وما يعتنقون من أفكار فهي آخر اهتماماتهم وهذه بداية الكارثة. «للحديث بقية».