أتذكر جيداً قبل نحو عامين من الآن حين أعلنت الدولة فتح باب الترشح لانتخابات المجالس البلدية للعام 2014 أعلنت إحدى نساء المحافظة الشمالية عن ترشيح نفسها من أجل خوض غمار التنافس على أحد المقاعد البلدية. حينها دعتْ بعض القوى السياسية المواطنين لمقاطعة الانتخابات، لكن هذه المرأة البحرينية لم تكن مقتنعة تماماً بالمقاطعة وأصرَّت على أن تترشح للمجلس البلدي كصوت نسوي ناضج. عند ذاك انتشر مقطع مصور لإحدى الفتيات وهي تمزق صورة المترشحة وترمي بها في القمامة مرددة عبارة مشينة بحق المترشحة تصاحبها قهقهات تملؤها السخرية.
وقتها التقيت مصادفة بالمترشحة مذكِّراً إياها بمقطع «الفيديو» المسيء بحقها والذي انتشر حينها كانتشار النار في الهشيم متسائلاً إيَّاها عن شعورها حيال المقطع المذكور فلم تجبني سوى بابتسامة باردة. كانت المترشحة المذكورة دمثة الخلق، مترفعة عن المهاترات، رصينة في وعيها ومتمكنة من قرارها الشجاع بالمشاركة في تلك المرحلة الحساسة التي لم تسلم هي وأسرتها من القذف والطعن في سمعتها وشرفها ومع كل ذلك أصرَّت أن تمضي قُدماً في ترشيح نفسها للانتخابات فكان لها ما تريد. لم تستجب هذه المرأة الحديدية لأصوات الشتائم والسباب التي صدرت في حقها حتى فازت في الانتخابات البلدية وها هي اليوم أحد أعضاء المجلس البلدي الشمالي.
مضت الأيام، وحسب قربنا من أداء أعضاء المجالس البلدية كإعلاميين والتصاقنا الحثيث بالكثير منهم في كافة محافظات البحرين وليس في المحافظة الشمالية فحسب، فإننا نقرّ وللأمانة أن هذه المرأة البحرينية الشجاعة تعتبر من أفضل الأعضاء أداءً ونشاطاً وإخلاصاً ووفاءً لمسؤوليتها ومنصبها كعضو بلدي، فهي تعمل كالنحلة حتى في أوقات مرضها وسفرها وأيام عطلها لتلبية حاجات أهالي دائرتها حسب قدراتها القوية والصلبة بشهادة كل المسؤولين في الدولة ممن التقيتهم وبشهادة كل أبناء دائرتها والذين من ضمنهم أولئك الذين مزقوا صورها ووضعوها في حاويات القمامة! هذه المرأة البحرينية التي يحق لنا أن نفتخر بها وبأدائها البطولي والشجاع حين جبن الكثير من الرجال لتحقيق رضا الناس وطموحاتهم في تحسين أوضاعهم الخدمية دون الحاجة لمزيد من التلميع لصورتها، فهي وكما عرفتها متواضعة حدّ الاختفاء من الظهور الإعلامي، فانشغالاتها اليومية المزدحمة تمنعها حتى من التصريحات الإعلامية لوسائل الإعلام المحلية ورفضها الهرولة نحو البهرجات الفارغة دون أن تترك بصمات واضحة في العمل البلدي.
السيدة الفاضلة فاطمة القطري، أداؤك يشهد لك وأهالي دائرتك يشيدون بخدماتك الكبيرة، ولهذا ومن باب الأمانة الخُلُقية أحببت أن أذكر قصتها التي بدأت بالأوجاع وانتهت بالانتصار لتكون نموذجاً حياً لكل امرأة بحرينية تشق طريقها بين الأشواك. كل ما أتمناه من الجهات المعنية وعلى رأسهم المجلس الأعلى للمرأة أن يكرموا هذه السيدة البحرينية التي عشقت وطنها فقدمته على نفسها بصورة رائعة تستحق منَّا أن نرفع لها القبعة، فشكراً فاطمة.