كتبت: نسيبة الشروقي
رغم التطور الثقافي والعلميمازالت ظاهره العنف الأسري تتفشى في مجتمعنا. تُولد هذه الظاهرةآثارسلبية مختلفة على عاتق الضحية سواء آثار نفسية أو جسدية أو حتى جنسية . وقد تحمل هذه الظاهرة في طياتها أضراراًعديدة تصل إلى عاهات مستديمة وإلى الموت أحياناً. ولايقتصر العنف على جنس أو عمر معين فجميع افراد المجتمع معرضين لهذه الظاهرة.
"حسن" لم يتجاوز السنوات الست من عمرهبعد.. غير أنه ترك حقيبة مدرسته.. دفاتره.. كتبه.. أقلامه.. وألعابه ربما إلى غيرعودة ليدخل في غيبوبة تامة بعد تعرضه لاعتداء جسدي.. من والده!.. الطفل الذيلم يعرف من الطفولة غير اسمها والسبب أنه بات طريح الفراش بعد أن ذاق ويلات العذاب وصنوف الضربوالتعذيب على مدى ثلاث سنوات هي تماماً كالمدة التي عاشها في هذه الحياة وعلى يد من!أقرب الناس إليه) والده).
ولد حسنتوأما لـ "حسين" ويسبق الأخوان أخأكبر مصاب بمرض السكري فعرضت جدته لأمه تربية أحد التوأمين تسهيلاً وتخفيفاً عن الأمووقع الاختيار على "حسن”.
عاش حسن سنوات عمره الأولى في كنف جديه لأمه حتى جاءوالداه بعد بلوغه عامه الأول طالبين ضمه إلى أسرتهما كي يندمج معهما ومع أخويه، ليتعرض بعد ذلك مباشرة لحادث التعنيف الأول الذي رسم منعطفا آخر فيحياته الغضة.
وعلى اثره بات يعاني من تخلف ذهني وفرط نشاط حركي وضعف في التركيز معضعف البصر. بعد ذلك قام جداه بضمه إلى الحضانة ثم إلى المدرسة، ثم عاد الوالدانيطلبان سكنه معهما بحجة قرب مدرسته من بيتهما واعدين بحسن رعايته والاهتمام به. ولكن ما حدث أن حوادث التعنيف قد توالت، حتى أصدرت النيابة العامة أمرا مستعجلاً،بناء على طلب من لجنة حماية الطفل، يمنع عودة الطفل إلى والديه ومنحت الولاية عليهلجده لأمه ولكن النيابة العامة لم تحقق في القضية رغم تعددالشكاوى لدى مراكز الشرطة حول ضرب الزوج لزوجته، ووجود عدة مؤشرات على أن هذهالعائلة تعاني اضطراباً أسرياً شديداً ووجود احتمال قوي بكون الطفل يتعرض للإيذاءالمتعمد وبشكل مستمر.
"الجمعة" كان اليومالحاسم لحياة هذا الطفل الذي ما ذاق من الحياة سوى قسوتها ومرارها ففي هذا اليومجاء والداه مجددا مطالبين بأخذه في نزهة لم يعد منها بعد!
كان الطفل رافضاًالذهاب معهما رفضاً شديداً وكان يستنجد بجديه وخالاته وأخواله، فربما كان يحس فيقرارة نفسه بالمصير الذي سيؤول إليه .

بين الاسباب والمسببات وُلد العنف

يقول د.عبدالله بن دهيم (كاتب وباحث في مجال العلاقات الأسرية والتنمية الاجتماعية وعالم الطفولة والتنمية البشرية رئيس المركز الإقليمي بالشرق الأوسط للأكاديمية العالمية لإعادة الاتزان البشري I-HRA London):
أن ظاهرة العنف الأسري جاءت نتيجة للحياة العصرية، فالضغط النفسي والإحباط، المتولد من طبيعة الحياة العصرية اليومية، تعد من المنابع الأولية والأساسية لمشكلة العنف الأسري.

والعنف سلوكٌ مكتسبٌ يتعلمه الفرد خلال أطوار التنشئة الاجتماعية. فالأفراد الذين يكونون ضحية له في صغرهم، يُمارسونه على أفراد أسرهم في المستقبل.

كذلك فإن القيم الثقافية والمعايير الاجتماعية تلعب دوراً كبيراً ومهماً في تبرير العنف، إذ أن قيم الشرف والمكانة الاجتماعية تحددها معايير معينة تستخدم العنف أحياناً كواجب وأمر حتمي. وكذلك يتعلم الأفراد المكانات الاجتماعية وأشكال التبجيل المصاحبة لها والتي تعطي القوي الحقوق والامتيازات التعسفية أكثر من الضعيف في الأسرة،وهذا ينبطق أحياناً بين الإخوة والأخوات.

وبينت د. بنة بوزبون (دكتورة وباحثة في العنف الأسريرئيسة مركز بتلكو لحالات العنف الأسري) أن الظاهرة تقدر حسب دراسة ميدانية قام بها المركز لعام 2012 بـ (29.4%) وتعود ظاهرة العنف الأسري إلى عاملين أساسيين، أولهما: تباطؤ مسيرة الاتجاهات الديمقراطية والاصلاحاتالسياسية، وثانيهما: ثقل حجم التراث الثقافي العربي المتميز لصالحالرجال.

ذلك وقد ساهم ظهور صيحات الإصلاح السياسي والنزعة الحادة نحو الديمقراطية ، قد فتحت الأبواب على مصراعيها للمطالبةبالاصلاح الاجتماعي والثقافي (يشكل مرافق الديمقراطية) والعمل على بلورته وتكييفهبالشكل الذي يصبح عاملاً مساهماً في عملية الاصلاح السياسي الهادف إلى ضمان حقوقهامن جهة ودعماً للنزعة المادية نحو العمل والممارسة الديمقراطية من جهةأخرى.

وبالرغم من أن المرأة البحرينية قد انتفعت بهذه التغيرات نتيجة الاصلاح السياسي الهادف إلى ضمان حقوقها من جهة ونتيجة لنضالاتها عبر زمن بعيد، نحوتحقيق ما تصبو اليه ايضاً من مساهمة فعالة في بناء نفسها وأسرتها ومجتمعها من جهة أخرى. إلا أنها لا زالت تعاني من سيطرة متعسفة إلى حد من قبل الرجال داخل نطاق الأسرة على نحو أعظم، وداخل مؤسسات المجتمع والدولة على نحو أخف، لدرجة أن المرأة البحرينية باتت في موقع محير تناقضت فيه الممارسات بذلك التظهير الذي سنته الدولة وجسدته قوانينها ودستورها، وسوف يؤدي هذا التناقض بين النظرية والتطبيق إلى إعاقةمسيرة الديمقراطية وإلى تشويه ما يتطلع إليه المجتمع في بناء مجتمع ديمقراطي يسعىإلى تعزيز دور المرأة البحرينية لاحقاً في شؤون الحياة الاجتماعية أو الثقافية أوالسياسية أو لتربوية، وإلى استثمار قدراتها وجهودها في بناء المملكةالبحرينية.

وأكدت د.شريفة أسوار ( استشارية علاج نفسي وسلوكي) أن اغلب الحالات كانت تشير الى ان تعاطي الكحول والمخدرات بالاضافة للمسائل المادية (المشاكل المادية). وقد اشارت اخر الاحصائيات (من ابريل حتى سبتمبر 2012 ) انه قد زار مركز بتلكو لحالات العنف الاسري 374 حالة جديدة حيث كل حالة يتم عمل لها 12 جلسة علاجية وقد كان نصيب النساء من هذه الحالات 114 بينما 87 للأطفال 51 حالة للرجال بالاضافة 122 استشارة عن طريق الهاتف .

الضحايا بين الشتم والصفع والخيزرانه

قد يكون من الصعب حصر الآثار التي يتركها العنف، وذلك لان المظاهر التي يأخذها هذا الجانب كثيرة ومتعددة. ومع ذلك نستطيع ان نضع أهم الآثار وأكثرها وضوحاً وبروزاً على صحةالشخص المعنف النفسية والعقلية. (هذا بالطبع لا يعني أن المعنفين يتعرضون لها جميعها، بل قد يتعرضون لواحد من هذه المظاهر حسب درجة العنف الممارس ضدهم) .
وتضيف د.شريفة أسوار إن العنف الأسري يولد أشكال مختلفة من العنف منها العنف الجسدي فهو أشد وأبرز مظاهر العنف، ويتراوح من أبسط الاشكال (الصفع والدفع وشد الشعر)إلى أخطرها وأشدها (لوي اليد ،الخنق وتصل بعض الأحيان للحرق وقد تصل للدهس في بعض الأحيان وغيرها)أما بالنسبة للآثار النفسية فهي أي فعل مؤذ نفس للعواطف دون أن تكون له آثار جسدية وتكون على عدة مستويات ابرزها الشتم، والاهمال، والتحقير،وتصل للنعت بألفاظ بذيئةوغيرها).
"ش.ع"امرأة في منتصف الثلاثينات تروي قصتها:"زوجي رجل دين يؤم الناس ويخطب بهم في صلاة الجمعة حيث يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ولكن عندما يأتي للبيت فأنه يتحول لشخص ثاني،فهو يستغني عن القرآنويمسك (العقال) ويبدأ بضربنا أنا وأبنائي فهو قد تحول من مهنته ليمتهن مهنه ليست له ليتحول الى جلاد ولم يكتفي بذلك الجلدفيبدأ بشتمنا بأسوأ العبارات والألفاظ البذيئة" .
لكنفي الكثير من الحالات على عكس "ش.ع" فأن النساء يوافقن على أنه من المبرر أن يضرب الرجل زوجته في ظروف معينة على الرغم من وجود قوانين رادعه مثل قانون حماية الطفل بالاضافة الى قانون مكافحة العنف الاسري فمعظمهن لايبلغن عن العنف في البيت لانهن يعتبرنه مسالة عادية ،كما تخشى أخريات من أنهن قد يحرمن من ابنائهن أو يتعرضن للفضيحة .
ولكن ذلك لايعني أن العنف أو الاشخاص المعنفين هم من الاطفال والنساء انما الرجال يتعرضون لحالات تعنيف ولكن في كثير من الأحيان فإنهم لايتقدمون بأي شكوى \،
"م.أ" رجل بالغ من العمر خمسين سنة ذهب في احد المرات لمركز يعالج حالات العنف حيث كان لون معظم جسده ازرق مائل للسواد وذلك بسبب الضرب بـ"الهوز"وعصا الخيزران. يقول "م.أ":"أدخلتني معاها غرفة الولادة ونتفت شعر راسي وفي كل مرة تطلب تغير أثاث البيت متحججة بقبح شكل المنزل غيرنا بيتنا أربع مرات متتالية واحنا نتنقل وفوق كل هذا تقعد تضربني بالخيزرانه ".

تقول الدكتوره عبير الجنيد (اخصائية علم نفس الأطفال) :"إن من احد المشاكل التي يولدها العنف الأسري هي تعطيل النمو الجسمي والعقلي فقد لاينتبه الزوجين لهذا الشيء ولايكون في حسابهم إن مشاكلهم ستأثر على نمو أبنائهم جسمياً وعقلياً وذلك بالنزاع بين الزوجين امام الابناء وسماع ابنائهم لنزاعهم بصوت عالي فلابد على الزوجين ان كان بينهم خلاف ان لا يدخلوا الابناء في نزاعاتهم ومشاكلهم.
الحد من الاثار العنف الاسري ومعالجتها
أكد د. نهار بن عبدالرحمن العتيبي(داعيه وعضو الجمعية الفقهية السعودية ) أن العلاج يستلزم معرفة من وقع عليه العنف ومن أوقعه وما هي الأسباب التي أدت إلىوقوعه وما هو العلاج الفوري لهذا العنف وفي بعض الاحيان قد يستدعي معاقبة من وقع منه الاعتداء، فإنمن لم يردعه كلام الله وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - وجب ردعه بالعقابالمناسب الذي يوقفه عن هذا الظلم وعن اقتراف ما حرمه الله تعالى حالاً ومستقبلاً. وهذا - بلا شك - يتطلب تعاون الكثير من الجهات التربوية والاجتماعية وغيرها تعاوناًيؤدي إلى معرفة من يتعرض للعنف الأسري إما بوضع هواتف معلنة ومعلومة أو جهة معينةتهتم بالسؤال والتعرف على من يتعرض إلى العنف حتى ولو لم يستطع الوصول إليها كبعضالأطفال مثلاً الذين لا يستطيعون الاتصال بتلك الجهة أو الوصول إليها وهذا ما حثناعليه ديننا الحنيف ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مثل المؤمنين فيتوادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسدبالحمى والسهر) ، وما الأطفال والنساء إلا أعضاء من ذلك الجسد .
وتؤكد د. أسوار ان الشخص المعنف يجب انيخضع لعلاج تقويم سلوك خاص وبرنامج نقاش تفريغ عاطفي بالنظريات سلوك معرفية تقوم النظريات على فهم وبناء الذات كل فرد على حسب احتياجاته وتكون هناك سرية تامة بحيث لاتكون هنالك تنقيص لكرامة الفرد فيؤدي العلاج الى تقويم وبناء حياة الشخص من جديد حتى لاتتكرر هذه الاخطاء من جديد .
بالإضافة لتلك الدورات يتم توفير أدوية وعقاقير لعلاج الإمراض النفسية مثل (amitriptyline وغيره ) والجسدية الناتجة عن ذلك العنف من حالات اكتئاب وجروح وغيرها .
وطرحت بوزبون أهم المبادىء الأساسيةالتي ينبغي للمؤسسات أن تتبناها، وتسترشد بها في تخطيط وبرمجة ساسية التصديوالمعالجة لمعضلة العنف الأسري
وهي تشكيل مجلس / مجالس (مؤسسة/ مؤسسات) متخصصة في هذا الحقل لغرضمعالجة هذا النمط من العنف، العنف الأسري ضمن برنامج خاصوزيادة عددالمراكز المهتمة بشؤون الأسرة، وتأكيد الجانب التوعوي، وإرشاد المؤسسات الرسميةوغير الرسمية كافة ذات الصلة بشؤون الأسرة.
بالإضافة الى إعادة النظر في النظام القضائي وتطويره وتوفيرالتسهيلات القضائية المجانية والعمل على إيجاد مكاتب للتوجيه والارشاد الأسري فيالوزارات ذات الاختصاص، والعمل على توظيف الإعلام كوسيلة توعية وإرشاد، وحمايةضحايا العنف الأسري، والتأكد من أن التصدي لهذه الظاهرة عملية مستمرة لا يمكن أنتتوقف عند حدود زمانية أو مكانية.
العنف الاسري ظاهره خطيره تصدر غالبا من اشخاص غير واعين وغير مدركين للذين يحدث حولهم كالذين يتعاطون المخدرات والكحول أو من اشخاص تجتاح نفوسهم حب السيطره والتفرد أو من اشخاص تعرضوا وتعنفوا سابقا . والاضرار الناتجه من التعنيف (نفسيه / جسدية / جنسية ) تتراوح على حسب نوع ودرجة العنف الممارس .
ولعلاج حلات العنف يدرج المتضرر ( المعنف ) ضمن برنامج تقويم سلوكي وتفريغ عاطفي وذلك يأتي على اعقاب العلاج الجسدي الذي قد لايجدي نفعا كما في حالة حسن الذي انتهى به المطاف في قسم الطوارئ ، حيث تبين انه يعاني من نزيف دماغي ونقص حاد في الاكسجين مما تسبب بادخاله في غيبوبة كاملة اثر الايذاء المتعمد ومنذ ذلك الحين مازال الطفل يرقد في عالمه الملكوتي على احد اسرة الجناح 33 في مجمع السلمانية الطبي .. يصارع الحياة بعد ان تلفت ثلاثة ارباع مخه .