^ لا توجد حتى الآن سياسة خارجية واحدة لبلدان مجلس التعاون الخليجي، ولكن توجد مجموعة من السياسات الخارجية لهذه الدول مع وجود درجات معينة من التنسيق في المواقف والسياسة الخارجية، وهي حالة مشابهة للحالة الأوروبية التي لم تصل إلى درجة السياسة الخارجية الأوروبية المشتركة رغم وجود منسق عام لهذه السياسة بين عدد كبير من البلدان المنضوية في الاتحاد الأوروبي، وإن كانت أكثر تقدماً من التجربة الخليجية. في ضوء هذه الحقيقة نجد أن بلدان مجلس التعاون تغيّرت سياستها تجاه المعطيات الإقليمية والدولية منذ بدء الربيع العربي، وإن كانت هناك حالات تعد استثناءً صارخاً لسنا بصدد مناقشتها. ومن أمثلة هذا التغيّر الخطاب السياسي تجاه واشنطن، وتجاه الاتحاد الأوروبي وحتى تجاه طهران. ومع تطور أحداث الربيع العربي وتغيّر أنماط العلاقة بين القوى الإقليمية والدولية في النظام الدولي، أدركت بلدان مجلس التعاون الخليجي المخاطر الجديدة التي باتت تهددها، وهي تهديدات ليست من أعدائها التقليديين، وإنما من حلفائها الاستراتيجيين المقربين، كما هو حال الولايات المتحدة. اليوم هناك قناعة سائدة لدى بلدان مجلس التعاون بأنه مهما تغنت واشنطن أو صرحت أو أعلنت أو ألمحت بأنها تدعم حكومات دول المجلس فإنه مجرد خطاب سياسي للاستهلاك الإعلامي، وسبب ذلك أن جهود واشنطن الميدانية على الأرض أكبر بكثير من أن تختزل في تصريح يتيم بأن (واشنطن تدعم جهود الحاكم الخليجي.. فلان)، ومعطيات اللعبة صارت تتطلب أكثر من تصريحات متبادلة بين الطرفين، لأنها بحاجة إلى جدية أكبر وتحركات ميدانية مماثلة. فليس من المعقول أن تظل بلدان مجلس التعاون الخليجي تنتظر تصريحاً من البيت الأبيض أو الخارجية الأمريكية مقابل ما تراه من تحركات سريعة لواشنطن لدعم جماعات سياسية أو دعم جهود تغيير الأنظمة السياسية في المنطقة. وتبقى مثل هذه التصريحات للاستهلاك الإعلامي ولتغيير اتجاهات الرأي العام، ولكنها في النهاية لا تغيّر منطق واشنطن التي تدعم تغيير النخب الحاكمة في الخليج العربي. لذلك فإن السياسات الخارجية الخليجية بحاجة إلى إعادة هندسة لتنظيم العلاقات بين دول المجلس والقوى العظمى والكبرى في النظام الدولي من جديد. وهناك فرص واعدة في هذه العملية، وأعتقد أن بلدان مجلس التعاون لديها القدرة والشجاعة الكاملة لاتخاذ هذا القرار بواقعية وليس براديكالية من أجل ضمان تقليل الخسائر إن وجدت.