كتب - عبدالرحمن محمد أمين: تنقل راشد عبدالغفار بين أكثر من وظيفة، بدأها بشركة للمقاولات ثم مكتب لمراقبة الصحف في قطر، قبل أن يعود إلى البحرين ويلتحق بإدارة الإعلام وبعدها بوزارة الداخلية قسم السجون.حصل راشد على دبلوم في إدارة السجون من السودان، ثم عين مديراً للإصلاح والتأهيل وعمل بسجون القلعة وجدة وجو المركزي، ويصف سجون البحرين أنها راقية ومتطورة ومن لا يبغي التغيير لن يتغير أبداً.عند المطوعةراشد عبدالرحمن عبدالغفار آل عبدالعزيز من مواليد مدينة الحد بفريج المسلم عام 1946، كان منزل عائلتة قريب من بيت عائلة عبدالعزيز المانع، ويقول راشد «كانت الحياة بسيطة وجميلة ومن ذكريات تلك الفترة أنه لم يكن هناك مطاعم، وكنا نأكل في بيوتنا وفيها يسكن جميع أفراد العائلة رغم زيادة العدد، وكانت الملابس محدودة لدرجة أننا كنا لا نملك دولاب للملابس، وكنا نضع ثيابنا تحت الفراش لكيها بعد أن ننام عليها، عشنا حياة كلها قناعة بوجود البركة والتعاون بين الناس، وكل منا يعمل في البيت أو عند الجيران لمساعدتهم، وفي أوقات فراغنا نمارس ألعاباً اختفت حالياً».ويذكر راشد من هذه الألعاب الشعبية «ألعاب الصبيان تتمثل في لعبة التيلة والدوامة والبلبول واليوز واللقفة وسحب الأعواد والدومنة، أما البنات فكن يلعبن الخبصة والمدود، ويلعب الأولاد والبنات معاً دون معاكسات».عند بلوغه سن السابعة دخل عند المطوعة آمنة زايد وكانت امرأة مشهورة في الحد مع ملا عيسى وملا خميس وراشد المطوع «درس معي علوم القرآن د.عبداللطيف المحمود وأخيه د.أحمد المحمود وأحمد بوقيس وعيسى محمد العامر وعبدالباري عبدالغفار، وأذكر أن حوالي 70% من أبناء الحد درسوا عند المطوعة آمنة بنت زايد، وكانت رسوم المطوعة روبيتين في الشهر، وكل يوم خميس نعطي المطوعة ما يعادل 10 فلوس وكانت تسمى الخميسية وتذكرنا بها كل أربعاء (باكر الخميس ربطوا الكراريس)».وبسبب ندرة الكراسي وصعوبة الحصول عليها تلك الفترة «كان البعض يستخدم صفائح الدهن المعدنية للجلوس عليها أثناء الدراسة، حتى الماء كان معدوماً عند المطوعة وكنا نحضره معنا من عين جبر المسلم القريبة من البحر».في عام 1953 دخل راشد مدرسة الحد الابتدائية الجنوبية «كان مديرها المرحوم حسين محمد حسين، وكانت المدرسة تقع شمال مدينة الحد، وبيتنا يقع جنوبها، وكنا نقطع المسافة بين البيت والمدرسة خلال 20 دقيقة رغم حرارة الجو، كانت الدراسة على دوامين صباحاً من الساعة 7 إلى 12، ومساء من 2 إلى 4، ولم تكن وسائل المواصلات متوفرة لعدم تمكن أكثر العائلات من شراء السيارة ومن تخصيص دائرة المعارف وقتها لسيارات لنقل الطلبة، وكان طلب العلم في تلك الفترة مكلفاً جداً لمحدودية الإمكانات وقوة المناهج وخصوصاً المصرية».ويتذكر أن خريج الصف الرابع الابتدائي بإمكانه مزاولة مهنة التدريس «عند افتتاح مدرسة الحد الشمالية الابتدائية عام 1956، وكانت قريبة من منزلنا ولم يكن بها سور خارجي، وكان أول مدير لها المرحوم حسين محمد حسين، ومن بعده عبدالرحمن المناعي ثم أحمد بوقحوص، ومن المدرسين أذكر وزير المالية السابق إبراهيم عبدالكريم والمرحوم عبدالرحيم روزبه وعيد عبدالله يوسف مدير الموانئ والجمارك السابق، وعبداللطيف جناحي والمرحوم عتيق سعيد، ومن الطلبة السفير السابق في الأردن محمد سيف جبر المسلم وعلي دعيج البنعلي والمذيع المشهور إبراهيم عبدالكريم».في عام 1961 انتقل راشد إلى مدرسة الهداية الخليفية «كان مديرها المرحوم عبدالله الفرج ونائبه حسن المحري، وكانت وسيلة المواصلات باصات الوزارة، بعدها انتقلت إلى مدرسة المنامة الثانوية قسم المعلمين، وكانت المدرسة تحتوي على ثلاثة أقسام للدراسة علمي وأدبي ومعلمين، واخترت قسم المعلمين لأن 80% من الباصات تضم 150 مدرساً من أبناء الحد لتوزيعهم على كافة مدارس البحرين حيث كانت الحد تحتل المرتبة الأولى في أبنائها من المدرسين».شركة نفط البحرين «بابكو» كانت تسهم بتوفير 6 باصات لنقل عمالها إلى أماكن عملهم «نظراً لضيق طرقات الحد كانت الباصات تقوم بإنزال العمال شمال الحد قرب بستان المرحوم عبدالله بن أمين الذي تمت إزالته لتوسعة المطار وبستان يوسف خليل المؤيد، حيث يضطر العمال لقطع المسافة مشياً على الأقدام من شمال الحد إلى جنوبها».ومن الطرائف التي سمعها أن أحد العمال تأخر يوماً عن دوامه وبسرعة ودون إدراك أخذ «فنر» الإنارة من منزله بدل «السفرطاس» الذي كان يستخدم لوضع الطعام «لم يشعر به إلا عند وصوله الباص وملاحظة زملائه، فكان أن تنازل كل منهم بجزء من طعامه».العمل بالخارجبعد تخرج راشد عام 1965 غادر البحرين للعمل في قطر بينما ذهب بعض الزملاء من الطلبة إلى الإمارات «عملت أولاً لدى شركة المانع للهندسة والمقاولات، وكان موقع العمل هو نفس موقع إذاعة قطر حالياً، بعدها انتقلت إلى مكتب مراقبة المطبوعات مكتب حكومي، يختص بمراقبة الصحف والكتب الداخلة إلى قطر، وكان مدير المكتب عبدالعزيز المانع، وعملي ينحصر بمراقبة الصحف العربية وكثيراً ما كنت أشاهد الشيخ يوسف القرضاوي وكان كثير التردد على المكتب، وغالبية الصحف والمجلات مصرية ولبنانية تصل إلينا عبر طيران الشرق الأوسط اللبنانية، في اليوم الثاني لصدورها، وكان من زوار المكتب عبدالله حسين نعمة مصدر أول جريدة قطرية».ويقول راشد «استفدت كثيراً من ذلك العمل وخصوصاً في اللغة العربية، وكنت أستلم راتباً شهرياً قدره 40 ديناراً كانت كافية في تلك الفترة، إلا أني لم أستمر طويلاً في الاغتراب عن الوطن، وعدت إلى البحرين عام 1968 بعد ثلاث سنوات عمل خارجها بطلب من العائلة، وفور عودتي تقدمت للعمل لدى دائرة الإعلام وكانت تقع في مبنى باب البحرين وكان رئيسها سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة نائب رئيس مجلس الوزراء الحالي، وعينت في مكتب مراجعة ومراقبة مكاتب توزيع الصحف وكان أشهرها المكتبة الوطنية لصاحبها المرحوم إبراهيم عبيد».في عام 1968 انتقل راشد للعمل لدى وزارة الداخلية قسم السجون «كان راتبي وقتها 40 ديناراً، وأذكر أن رئيس قسم السجون كان ضابط بريطاني وكان مقر عملنا في جزيرة جدة، أما مسؤول مكتب المنامة فكان ضابطاً يدعى جاعد بن طعيس وكان معي كاتب مدني واحد فقط، وفي عام 1974 تم استبدالي إلى عسكري بعد أن حصلت على ثقة المسؤولين في أداء عملي بإخلاص وكفاءة، فتم ابتعاثي إلى كلية جناح السجون في السودان حيث حصلت على شهادة دبلوم في إدارة السجون، حيث عينت ضابطاً إدارياً للسجون حتى وصلت إلى منصب مدير الإصلاح والتأهيل حيث عملت خلال تلك الفترة في عدة مواقع كسجن القلعة وسجن جدة وسجن جو المركزي، وحضرت خلالها عدة دورات ومؤتمرات وألقيت العديد من المحاضرات».في كنف العائلةتزوج راشد عام 1976 وأمضى شهر العسل في مصر «لدي الآن 5 أبناء 3 ذكور و2 إناث ومن الأحفاد عشرة، وأشكر الله أن أنعم علي بمبنى كبير من عدة طوابق حيث خصصت لكل ولد من الذكور شقة ملائمة حيث أقضي مع أبنائي أحلى ساعات اليوم، وأحد أبنائي الذكور يعمل ضابطاً بوزارة الداخلية، و الثاني في إدارة الهجرة والجوازات والإقامة».الحياة بعد التقاعديحرص راشد على أداء صلاة الفجر في المسجد «بعد عودتي أخذ قسطاً من الراحة وأقرأ الصحف، ثم أغادر المنزل لقضاء الحاجيات والأعمال وزيارة الأصدقاء في مكاتبهم والوالدة في بيتنا، كذلك فإن علاقتي بالسجون لم تنقطع فمازلت أقدم الاستشارات وألقي المحاضرات في المجالس الأهلية عندما يطلب مني أصحابها، ولي الشرف في خدمة بلدي وقيادتي في أي موقع يطلب مني، ولدي مجلس يفتح مساء كل أربعاء حيث أتشرف بزيارة الأهل والأقارب والأصدقاء للتعارف والتشاور والحديث عن ذكريات الماضي والتطلع للمستقبل، وأنا أرحب بكل الإخوة من كافة مناطق البحرين لزيارتي، كما أني عضو في جمعية الهلال الأحمر البحريني، وساهمت في جمع التبرعات للمتضررين من إخواننا العرب في مصر وسوريا والأردن أثناء الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973».يشارك راشد في جمع التبرعات للمحتاجين داخل البحرين وخارجها «لدينا الآن مجلس خيري باسم (الناسك)، وهو مؤسسة اجتماعية وثقافية ورياضية كل رواده من الشباب، وهدفه خدمة أهالي البحرين في كافة المجالات التي تعود بالفائدة على المجتمع عبر إقامة البرامج والمسابقات. مستوى السجونفي البحرين ويقول راشد «لا أبالغ عندما أقول إن مستوى السجون في البحرين راقٍ ومتطور ويسعى للإصلاح لمن يريد إصلاح نفسه، فالسجون عندنا مهيئة للمعالجة أما من لا يريد إصلاح نفسه وتغيير سلوكه فلن يصلح أبداً ولو وضع في قصر، ووزارة الداخلية تبذل ميزانية كبيرة لراحة المسجونين والموقوفين من كل النواحي الصحية والثقافية والرياضية، وهناك عيادة مخصصة وقاعات للقراءة ومشاهدة التلفاز وملاعب لكل الألعاب الرياضية ووجبات أكل من مطاعم مشهورة في البحرين تحتوي على أصناف متعددة من المأكولات والمشروبات حسب ما يطلبه السجين».وأضاف «أحضرنا للمساجين جمعية فن الحياة لتدريبهم على طريقة التخلص من الضغوط والاكتئاب وتعليمهم التعايش بالطريقة والأسلوب الصحيحين، وفي إحدى المرات كان أحد المساجين يكثر من التدخين ومنعزل بنفسه عن غيره ولا يكاد يتحدث حتى مع أهله عند زيارته، فأدخل في هذا البرنامج فإذا بوالده يتصل بي ويشكرني عندما شاهد ولده تغير تماماً».ومن الطرائف التي شاهدها أثناء عمله «حضرت لي والدة أحد المساجين وهي تصرخ قائلة لماذا تعلمون ابني طريقة البوكة بمعنى السرقة، فقلت لها إننا لا نعلمه البوكة بل لعبة اليوكا وهي الدفاع عن النفس، هنا شكرتني قائلة إن ابني لم يفهم معنى الكلمة، وأثناء عملي وحفظاً على نظافة زنزانات المساجين منعت وضع ولصق الصور على الجدران، وذات يوم وأنا أتجول داخل السجن شاهدت صورتي الشخصية معلقة في أحد الجدران وعلى الفور أمرت بإزالتها، ولما استفسرت من السجين عن سبب وضعها قال لي بكل شجاعة إنه وضعها ليبصق عليها كل صباح».قصيدة من كلمات راشد عبدالغفار..عندما يعلو السجين على السجانعجيب غريب أمر الإنسان كان يوماً في قبضة السجانحبيساً ذليلاً بين القضبانسارقاً محتالاً غاصباً للنسوانمعتدياً مزوراً شاذاً وسكرانمنحرفـاً ضائعاً واقعاً في الإدمانمتآمراً مارقاً خائناً للأوطاندارت الدنيا وتبدل الزمانصار له مكان وشأن و سلطانوزيراً مديراً عضواً في البرلمـانناسكـاً.. معمماً.. طائعاً للرحمنإمامــاً.. قاضياً.. شاعراً وفنانداعياً للفضيلة.. وحقوق الإنسانأبدل لباس السجن بجبة الرهبان استبدل القيود بسبحة الكهرمانوأجياب الشرطة بالكزس والطيرانبعـد الزنازن سكن القصــور والجنانمارس التجارة والسياسة وشيد البنياندنيا عجيبة رزت السجين على السجانأغنت المدين. وأفقرت الديانصدق القائل.. دنيا مـا لها أمان
970x90
{{ article.article_title }}
970x90