^ كيف يمكن لولي الأمر أن يحضر إلى المدرسة ويضرب معلماً؟ وهل يمكن معالجة خطأ بالخطأ؟ أين ذهب العقل الإنساني والبحث عن الحقيقة؟ هذا ما حصل في إحدى المدارس الإعدادية للبنين؛ حيث جاءت والدة أحد طلاب المدرسة في اليوم التالي الذي تم فيه واقعة ضرب أحد المُعلمين بضربة غير مقصودة في أحد الصفوف أثناء حصة (انتظار) لابن هذه السيدة، فأثناء جلوس المعلم وتقديم اعتذاره لأسرة الطالب خرجت الوالدة غاضبة ولكن سرعان ما دخلت الحجرة ثانية وصفعت المعلم ثم خرجت من المدرسة. والمُعلم الذي أصابه الذهول والدهشة لم يُحرك ساكناً، بل تمسك بأعصابه، فأخلاقه الكريمة ونبله العربي لم تطاوعانه على صفع امرأة؛ لكونها ليست من أخلاق العرب ولا من عاداتهم الحميدة. وهنا توجه المُعلم إلى مركز الشرطة وقدم شكواه وحين مغادرته قابلته إحدى ضابطات الشرطة وطلبت منه أن ينهي الموضوع بالاتفاق، إلا أن كرامة المُعلم وجميع المعلمين جعلت من هذا المُعلم يرفض هذا العرض ويستمر في دعواه حتى تنال هذه المرأة وكل امرىء تسوِل له نفسه أن يعتدي على أيٍ من المعلمين أو يُهين كرامتهم العقاب اللازم. لا شك أن ضرب المُعلم للطالب اعتبر من المُحرمات التربوية وذلك منذُ أن أصدر وزير التربية والتعليم الأسبق قانوناً يمنع (على المعلم بضرب الطالب)، باعتبار أن الضرب من الوسائل غير التربوية ومن غير المعقول أن يتم استخدام مثل هذه الوسائل في المؤسسات التربوية، وقد استخدم الطلاب هذا القانون كذريعة تحميهم من هذا العقاب بالرغم من ممارساتهم غير التربوية والآدمية مع المُعلمين سواء في الصف أو في المدرسة. نعم.. الضرب يعتبر وسيلة غير آدمية وغير تربوية سواء للحيوان أو للإنسان، ولكن هناك فرقاً بين ضرب المؤدب الخفيف والضرب القاسي المؤثر والضرب غير المقصود، ولكلٍ حالاته وأثره. والمُعلم كغيره من الإنس يشعر ويحس ويتألم، فمن مِن الإنس مَن يتحمل الشتم أو قلة أدب الآخرين؟ وهل على المُعلم فقط ولوحده أن يتحمل ذلك دون غيره من جنس البشر؟ إن طبيعة العلاقة بين المُعلم وبين طلبته يجب أن تكون علاقة حسنة وإنسانية، فعلى مَر العصور مرت هذه العلاقة بتغيرات جذرية فقد ساهم المُعلمون في تنشئة رجالات الأمة من القادة والحُكام والعُلماء والمفكرين والأساتذة والصناع والعسكريين وغيرهم من فئات المجتمع، واليوم أصبحت الأسرة (الأب والأم) يُساعدون المُعلم في تربية وتعليم أبنائهم، باعتبار أن البيت هو المدرسة الأولى للطالب والمدرسة هي البيت الثاني له، هذا التغير في مهمة التعليم وجد مساندة حقيقية من الأسرة التي تبذل جهداً كبيراً في تحقيق تعليم نوعي وتفوق متميز لأنجالها في المدارس. وقرار منع الضرب في المدارس لا يلغي دور المُعلم المؤدب لطلابه في حال إقدام الطالب على عمل أو فعل غير تربوي أو أنه لم يصغِ لكلام مُعلمه، وهل حين يمد الطالب يده أو لسانه على المعلم يسكت أو أنه يقف دون حراك؟ إن إقدام المُعلم الذي تم صفعه على ضرب هذا الطالب لم يكن مقصوداً، عِلماً بأنه ليس من مُعلمي هذا الصف وكانت حصة انتظار، وحتى وإن لم تكن كذلك فقد تم إجراء تحقيق إداري من قبل إدارة المدرسة، وعندما جاءت الوالدة العزيزة إلى المدرسة وبدل من أن تعلم بالموضوع وتدرسه من جميع الجهات صفعت المُعلم؛ فكيف يقف الفكر التربوي مع ذلك؟ وكيف يرد القانون على هذه الممارسة؟ وكيف يمكن للمجتمع أن يردع مثل هذه الأفعال الشائنة بحق مَن يحملون عبء أسمى وظيفة في الدنيا؟ رغم وجود اللوائح التأديبية والانضباطية إلا أن المدرسة تتحمل وزر أي إهانة يتعرض لها أي معلم ومعلمة، فلوائح الانضباط هذه أغلبها ذات بنود هشة وتساهم في تخطي الطلبة حدود اللياقة والأدب، وتترجم شعار (مَن أمن العقوبة أساء الأدب). ومعظم وسائل العقاب من (استدعاء ولي الأمر، التوقيف عن حضور المدرسة، التوقيع على التعهد) وسائل لم تثنِ جمهرة الطلاب المشاغبين ولم تردعهم عن ممارسة وسائلهم السيئة تجاه مُعلميهم ومدارسهم. إن الضرب وسيلة سهلة لتهدئة الطلاب وردعهم إلا أنها ذات أثر سيئ وكبير على النفس البشرية، ومنها أن المُعلم يتعرض للمساءلة القانونية وقد تحدث أضرار على جسم الطالب أو تسبب له تشوهاً. وعلى المدرسة أن تتحمل مسؤوليتها في توفير الحصانة للمُعلم من ممارسات الطلاب، بدءأً من اختيار المشرفين الإداريين الجيدين الأداء ذوي الحزم في تطبيق الإجراءات ضد أي مخالفة، إلى استنهاض القيم الاجتماعية والإنسانية المتعلقة باحترام المُعلم وتقديره. كما على إدارة المدرسة أن توكل بمهمة الانتظار في حالة غياب مُعلم الصف إلى أحد مُعلمي الصف باعتبار مُعلمي الصف هم الأعلم بطلابهم. تتحمل وزارة التربية والتعليم في مملكة البحرين عبء مسؤولية رسالة التعليم وتوصيلها إلى كافة أبناء وبنات البحرين والمقيمين على أرضها دون استثناء، ولترجمة ذلك تنفق الملايين من الدنانير من أجل تنمية هذا الإنسان ليكون أحد أعمدة البناء في وطنه مستقبلاً، والموقف التعليمي هو موقف إنساني عقلي يجب أن يسوده الود والمحبة والاتزان بعيداً عن الانفعال العصبي، وهذا الموقف يعمل بيسر في توجيه الطلاب وإرشادهم، والبعض من الطلاب يفقدون مثل هذا الموقف في منازلهم، والبعض من الطلاب يحتاج إلى الحُب والتقدير وشغل وقت فراغه، وإذا استطاع المُعلم إشباع رغبات طلابه سهل ضبط سلوكه، إن إصلاح الفرد عملية ليست سهلةبل تحتاج إلى صبر وإرادة. سنت الجهات المعينة مادة رقم (222) لقانون العقوبات وتنص على ‘’يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر أو بالغرامة التي لا تتجاوز خمسين ديناراً من أهان بالإشارة أو بالقول أو بالكتابة أو بأية طريقة أخرى موظفاً عاماً أو مكلفاً بخدمة عامة أثناء أو بسبب تأدية وظيفته أو خدمته)، وهذه المادة رغم عدم توافقها مع حجم ما أصاب المُعلم من إساءة بالغة من والدة الطالب لكنها أضعف الإيمان في توصيل جزء من حق المُعلم المهدور. فأياً منهما سيقف مع المعلم؟ التربية أم القانون؟ أو كلاهما معاً؟ أن المُعلم الناجح هو المُعلم القائد لصفه، هناك الكثير من المُعلمين الحاصلين على شهادات علمية في تخصصاتهم، ولكن.. كم مَن هؤلاء يصلح لأن يكون مُعلماً؟ وكم من هؤلاء المُعلمين يصلح لأن يكون قائداً في صفه؟ وهناك الكثير من الأسر من تنجب الأبناء والبنات، ولكن.. كم عدد الأسر التي تستطيع أن تربي أبنائها على الفضيلة والعادات الحميدة والسلوك الحسن في البيت والمدرسة؟