^ لقد تعدى حدود الحرية في الخطاب، وتمادى تمادياً لا تستوعبه ديمقراطية ولا فاشية، وذلك حين تجرّأ ونصّب نفسه وظن أن ما يقوله حق وما تفعله مليشياته بطولة وشجاعة ومقاومة، فجعل من نفسه مرتبة ليس لأحد مثلها، وذلك حين قال مخاطباً المجتمع الدولي “مادامت هذه الحكومة قائمة فلن يُطبق شيء من تقرير السيد بسيوني، وإن كان لديكم حرص على تطبيقه فقولوا للنظام بأن يقيل هذه الحكومة «..». نعم.. ينادي بسيوني “بالسيد”، ويتهجم على الحكومة، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل أن المقصود من ثورته الصفوية تغيير الحكومة اليوم وتغيير كرسي الحكم غداً، ومثلما سمى الحكومة “بالمجرمة” فقد قال عن نظام الحكم “إن الحل في البلاد لا يكون إلا بزوال النظام «..» المنتهي الصلاحية”، ولم نأتِ بهذا الكلام من وحي أفكارنا بل هو خطاب منشور على مواقعهم. لكن لابد لنا أن نشرح لمن لا يفقه علماً ولا تاريخاً، ولمن لم يقرأ في تاريخ الحكام وأشكالهم وطباعهم وأصولهم وصفاتهم الذين يولّيهم الله على إمارات المسلمين وبلدانهم، فمنذ فجر التاريخ الإنساني لم يكونوا ملوكاً على الأرض ولم يكونوا حكاماً لا في بلاد العرب ولا العجم، إلا من حسن الله صورهم ومن تجلّت في وجوههم سمات الشجاعة والجرأة والإقدام، وحتى وإن كانوا بلا دين ويعبدون الأوثان أو يعيشون بين الأدغال، فهم جميعهم يلتقون في وفائهم وإخلاصهم لأرضهم، ويدفعون بأرواحهم لصد أعدائهم، ولا يتآمرون مع عدو على غزو، ولم يستقووا بأجنبي على بلادهم وحتى إن كان على ملتهم، فهو تاريخ الملوك والحكام في الماضي والحاضر وفي شتى بقاع الأرض، لذلك نرى أنه لا يصلح لتولّي مسؤولية حتى لمدينة أو قرية، فكيف ببلد لشخصية معروفة لم يشهد تاريخها ولاء لهذه الأرض، وتريد فجأة أن تصبح على كرسي الإمارة والحكم، وهو الأمر المستحيل لأن هذه الشخصيات تفتقر لأقل صفة من صفات الولاية على عباد الله ألا وهي سماحة الوجوه وبشاشتها، والتي لا تظهر إلا على وجوه أصحاب القلوب الصافية النقية التي لا تحمل حقداً موروثاً ولا بغضاً لبشرية مهما كانت عروقها وانتماءاتها. خطاب علي سلمان لم يتوقف عند حد البحرين إنما شمل دول الخليج، إذ طالبها بأن تكون لها مجالس منتخبة وحكومات تمثل الإرادة الشعبية كشرط للاتحاد الخليجي، إذ إن خطابه أصبح لا يختلف عن خطاب نجاد حين قال “إن بلاده لن تقف صامتة أمام ما يحدث في البحرين”، وتهديده الصريح بتغيير موازين المنطقة إذا لم يتم الوصول لحل يرضي شيعة البحرين، هذا الخطاب خرج عن حدود عمامة علي سلمان حين يدعو رجل دين يؤمن بولاية الفقيه ويعتبر نفسه خادماً لآية الله إن كان في البحرين أو قم أو النجف، ثم يأتي ليتدخل في شؤون دول خليجية عريقة التاريخ، أي أنه يذوب ويتحلل بين ملوكها وأمرائها وشعوبها الكبيرة التي تقف رهن الأمر والطاعة لولي أمرها، فأين يكون له المفر والمقر إذا ما اجتمعت هذه الشعوب ضده وضد ولايته، وهو الأمر المخيف بالنسبة له، حين يتلاشي نفوذ إيران التي يستند عليها وتتبخر عندما تواجه ليس دول الخليج، بل الدول العربية والإسلامية التي تقف شعوبها صفاً واحداً وراء دول الخليج، عندما يكون مركز الأمة بيت الله هو الذي يجمع شمل المسلمين في شتى بقاع الأرض. إن الخطاب الذي يردده علي سلمان في كل مهرجان ومناسبة، خطاب خرج عن حدود الحرية في الكلام والممارسة الديمقراطية، وذلك حين يتهجم على حكومة شرعية مؤيدة من أغلبية الشعب، خصوصاً أن تلك الأغلبية تراهن على حياتها مقابل بقاء هذه الحكومة، والتي تعتبرها الركن الأساسي في تاريخ البحرين وأصالته وعموده، والذي لا يمكن استبداله تحت أي ضغط أو تهديد، عندما يكون الشعب الذي يقف خلف هذه الحكومة شعباً لا يميز بين اثنين عندما يتعلق الأمر بشرعية الحكم والمساس بالحكومة أو كرسي الحكم، وهو أمر يفقهه علي سلمان وجماعته تماماً، الذين لا يحسنون قراءة تاريخ هذا الشعب الذي وقف وسيقف صامداً أمام أي تهديد داخلي وخارجي، عندما رسخ في ذهن هذه الأغلبية أن البحرين لن تكون إلا خليفية القيادة والحكومة ما بقيت البحرين وبقي الزمان، فهذه إرادة الله أن أوجد هذه الحكومة، وأوجد هذا الحكم وجعل من خلفه وأمامه وعن شماله ويمينه شعباً يشطب كل الخطاب التسقيطي بكل عزيمة وتحدٍ، ويقف حائطاً عندما يحاول هذا الخطاب أن يمارس بأي فعل يمس بأمر الخلافة على البحرين، الخلافة الخليفية التي يريدها الشعب في كل جزء من جزيئات حياته.