كتب – أحمد الجناحي:
«صحافيون والله أعلم» عنوان كتاب ألفه الكاتب الصحافي السيد البابلي موجهاً من خلاله رسائل هامة وناقدة للإعلام العربي من إذاعة وتلفزيون وصحافة.
تعرض الكاتب لمواقف الصحافيين وقصصهم بشكل خاص في صفحات الكتاب، ومن يقرأ الرسائل المخبأة بين سطور الكتاب يجدها تشبه الرسائل التي يوجهها الروائي نجيب محفوظ من خلال قصصه ورواياته، والتي تمس العالم أجمع بشكل خفي رغم تحدثها بشكل مباشر عن الوضع في مصر، فمثلما نحن لا ننظر إلى نجيب محفوظ أنه يروي قصصاً وحسب، بل قصصاً تحمل مضامين كثيرة، خارجية ومضامين داخلية خفية، نجد ذلك في قصص ومواقف السيد البابلي في هذا الكتاب، فعندما نقرأ هذه السطور ونجد كلمة صحافة، فإن القصد الخفي منها هو الإعلام بشكل كامل، وعلينا أن نقيس على ذلك.
يحاول السيد البابلي من خلال كتابه «صحافيون والله أعلم» استعاده قوة الإعلام والنهوض بمستواه، داعياً لوضع ضوابط مهنية حازمة لمن يتجاوز أخلاقياته ومن يستخدمه باباً للربح والابتزاز، موضحاً أن الإعلام والصحافة لا تكون سلطة حقيقية إلا بعدما يكون العاملون بها قدوة لغيرهم من فئات المجتمع الأخرى بالالتزام بقواعد المهنة، والتصدي من الداخل لمرتزقة المهنة، عن طريق الوقوف صفاً واحداً أمام التجاوزات والاعتداءات التي تتعرض لها حتى لا يصبح صفع الإعلاميين على وجوههم عادة، وحتى لا يصبح إلقاء القبض عليهم وإيداعهم بالسجون مع المجرمين والقتلة وسيلة.
ويهدي الكاتب ثمرة جهده في مطلع الكتاب إلى ابنته «إسراء» واصفاً إياها بالنور الذي يرى به الدنيا، والهبة الإلهية التي أضاءت سماء حياته، ويذكر في مقدمة الكتاب أن رجال السياسة يقفون من رجال الصحافة موقف المهادنة إذا ما كانت الصحافة في دول تحترم تشريعاتها العمل الصحافي أو الإعلامي -إذا قرأنا المضامين الخفيفة بالكتاب-، وتمنح العاملين في هذا المجال حماية قضائية وأدبية، ويحرصون على تملق الصحافة وإرضائها حتى لا يكونوا ضحية لمهاجمتها وغزواتها، ويبين النوع الآخر الذي يقف منها موقف اللامبالاة والقمع إذا ما كانت الصحافة في هذه الدول مجرد أداة وبوق لنقل تصريحاتهم وأنشطتهم والترويج لها، دون أن يكونوا لها سلطة حقيقية في إبداء الرأي والانتقاد، لأن قوانين هذه الدول المكتوبة في ظاهرها تحترم الصحافة، ولكن في الممارسة الفعلية لا تتقيد ولا احترام لهذه التشريعات لأن القانون أساساً في إجازة مفتوحة.
حرص الكاتب في مقدمة الكتاب التي تجاوزت الـ 7 صفحات، على أن يكون «جلال الدين الحمامصي» رحمه الله، هو الشخصية الأولى التي يتقدم لها بالشكر والتقدير الخاص الذي كان له الفضل بعد الله في الأخذ بيد الجيل الجديد وتوجيههم وتعليمهم، فتلاميذ جلال الحمامصي كما ذكر الكاتب، تعلموا منه الكثير وأصبحوا ذوي نكهة خاصة حتى إن الوسط الصحافي يعرف أنهم تلاميذه من خلال سلوكهم وطريقة الحديث والثقة المتناهية التي تصل إلى حد الغرور أحياناَ، مشيراً إلى أن تلك الأمور أدخلت الصحافة والسلطة في مواجهات عديدة خصوصاً في دول العالم الثالث التي ظن بعض قادتها أن الصحافة هي مجرد ديكور لشكل الدولة العصرية ولا يتعدى دورها أن تكون مجرد وسيلة لنقل الأخبار والتهليل لإنجازاتهم ومعاركهم البطولية حتى وإن كانت وهمية.
وبأسلوب مبهر وسلس، استطاع الكاتب أن ينقل رسالة نوعية مبيناً فيها أن السلطة في العالم الثالث وفي العالم العربي عموماَ استطاعت أن تهزم الصحافة بالضربة القاضية وأن تجعل من الصحافة والصحافيين مجرد موظفين تابعين لأجهزة الدولة، دون أن تكون لهم الاستقلالية التامة التي تجعل منهم سلطة حقيقية للرقابة والتوجيه، ويشير إلى أنه نتيجة لذلك انتشر التعبير الساخر بأن الصحافة أصبحت « سَلَطة « وليست « سُلطة « لأن أحداً لا يهتم بما تقول وماذا تستطيع أن تقول.
ويدعو الكاتب إلى عدم التخلي عن المهنة رغم ما تمر به، إذ يرى أن مهنة الصحافة مثل أي مهنة تمر بفترات متاعب وهبوط، وهذا الأمر في نظره لا يعني الاستسلام والهجران، بل يعني بذل جهد أكبر لكن تعود إلى موقعها الصحيح باعتبارها ضمير الأمة الحي، «الصحافة الحرة هي خير ضمان لأي مجتمع من تعرضه لهزات اجتماعية أو سياسية، والسلطة الذكية تترك الباب مفتوحاً للصحافة كي تمارس دورها بلا قيود أو حساسيات، لأن الصحافة هي المنبر والقناة السليمة التي تمر من خلالها كل الأفكار والآراء التي تعبر عن المجتمع ومشاكله وقضاياه».
اختار الكاتب قصة «عندما يكون الصمت طوق النجاة ..!! « مدخلاً للكتاب الذي يحاول من خلالها تكريس مفهوم مهم في العمل الإعلامي وإكساب القارئ ثقافة مغايرة لما اعتادت عليه طبيعة الأعمال الإعلامية وهي ثقافة الصمت، حيث يبين أنه لابد من تعلم حكمة الصمت والانتظار في المواقف المختلفة، فبقدر ما يلتزم الإعلامي السكوت بقدر ما ينجو من المهالك، وبقدر ما يجيد الاستماع بقدر ما يبتعد عن المتاعب.
وفي قصة «أنور السادات رئيساً للتحرير ..!!» كانت الفرصة للكاتب بالعمل على مقربة من الرئيس الراحل أنور السادات حين كان مندوباً لجريدة الجمهورية في مصر لعدة سنوات أثناء رئاسة السادات لمصر، ويذكر الكاتب أنه تابع اجتماعاته وجولاته وزياراته ورأى كيف كان أنور السادات طرازاً من نوع خاص استطاع أن يوجه وسائل الإعلام كيفما يريد وفي الوقت الذي يريد بحيث يسيطر وحده على خشبة المسرح ليصنع الأخبار ويحرك خيوط العرض، ويشير إلى أن العلاقة بين الصحافة والسلطة علاقة وثيقة ومعقدة، وكل منها يسعى لفرض سيطرته وسطوته على الآخر، وكل منهما يتربص بالآخر وفي الوقت نفسه لا يستطيع الاستغناء عنه.
ومن وجهة نظر محايدة يرى الكاتب أن الصحافة ووسائل الإعلام مثل «النور» الجائعة يجب أن تبقى بطونها ممتلئة وإلا انطلقت تنهش في مكان بحثاً عن فريسة، ويرى أن رجال السياسة عليهم أن يبقوا هذه البطون ممتلئة بالأخبار والمعلومات وإلا أصبحوا هم فريسة لوسائل الإعلام وضحية لجوعها وسعيها إلى الحقيقة والمعرفة.