بقلم – عادل الحلبي
حَريُ بي وقد انتصف العمر مني ومالت الشمس إلى المغيب .. أن أقدم لك يا بني نصيحتي وأنت في عمر الزهور وربيع أمانيك على المشارف والدنيا فاتحة لك الأبواب .. فقط أعيرني انتباها وصبراً إن أطلتُ عليك رسالتي .. فلن ينصحك بعدي أحد .. لأني أنا الذي أحببتك أكثر مني، وأنا الذي انتظرتك بأفراحي وأهازيجي .. قبل أن تأتي إلى الدنيا .. فخذ عني كلمات أنت أحوج إليها من بعدي.

اليوم أنا جليسُك .. أسامرك وتسامرني .. وغداً ربما لا يقوى لساني عن الحديث أو يداهمني مرض خبيث .. أو يُغيب مني عقلي .. استمع لي.. استحضر يا بني عظمة الله فِـيّ .. الذي صيرني من بعد ضعف إلى قوة، ومن بعد قوة إلى ضعف وشيبا .. وأعلم أن ابنك يراك فعاملني بما تحب أن يعاملك به .. فالدنيا دَينُ إلى أجل مُسمى ورهانُ مقبوضة .. فاتق الله وكن باراً بي .. إذا وهن العَظمُ مني واشتعل الرأس شيبا .. وإن طال عمري بمرض ميئوس منه فاصطبر ولا تتعجل رحيلي .. فكل عُمر في كتاب .. وكل أجل معلوم .. فقط أدعُ الله لي أن يخفف عني، ويجعله كفارة لي .. حتى الاقي وجهه الكريم وقد غُسِلتُ من ذنوبي .. وما بيني وبين خلق الله .. فإن الله وسيط بيني وبينِهم يوم القيامة.

اقترب أكثر .. إن ضعف البصر أو كف مني .. ولا تتضجر ولا تتوارَ خجلاً من أصدقاءك .. فمن وهبني ‘‘حبيبتاي’’ .. قد استردهما لأمر يعلمه .. وإني على خطبي لصابر ومسترجع، وكن لعيناي الضياء .. وإن تمايلت رأسي واهتزت فلا تنزعج مني .. ربما قد ثقُلت علىّ أفكاري أو شردتُ بعيداً عن عالمك فارتج عقلي، ولم أعي أنها دوامة تصيبُ بها من ثقُلت همومه .. فقط التمس لىّ العُذر .. واعلم يا بني أني ما رأيت بعمري زينة الدنيا إلا في عينيك .. وإن أثقلتُ عليك لا تغضب ولا تهرب .. فإن الله سيجزيك عني الجزاء الأوفى.

عفواً يا ولدي لا أسمعك .. فأعد علىّ ما قلت مثنى وثلاث ورُباع .. فإن لم يصلني صوتك فاعلم بأني قد أصبت بالصمم ولا ريب ولا عيب في ذلك .. فقط أقترب مني، وسأقرأ عينيك .. أو يكفني منك ابتسامة على شفتيك .. سأعي ما بهما .. فثغرك هذا لأجله شقِيت عمراً وتغربت دهراً لأطعمه حلالاً طيبا .. وذابت فيه متاعبي وكان لي أشهى الأماني حينما كان يضحك لي كانت تزول على ابتسامتك جبال أحزاني .. أقترب مني، وإن لم تساعدني قدماي على المسير فاعلم أني أصبحت عجوزاً .. اقترب مني بماء وضوء .. سيطفئ منك غضباً .. إن كنت لم ترضَ عني أو أغضبك مني تصرفاً غير محمود لديك.

إذا ارتعشت يداي فلا تخجل .. هذا قدري .. فقط خُذ بهما يستندان إلى منكباي كحال تشهدي في الصلاة، واذكر الله .. اذكر الله .. فدوام الحال من المُحال، واقترب مني .. ضع يدك على يداي إربط عليهما، وإن لم أقوى على تناول مائي ودوائي فساعدني بيديك فلن أجد حنانا أكثر منهما، وفيهما من البركات ما يغنيني عن غيرك، وترفق بي ياولدي .. ولا تتعجل أن اُفرغ من طعامي .. فقط أمهلني مزيداً من الوقت فلربما قد فقدت أسناني، وإن تساقط من فمي لُعابي .. فلا تشمئز يا ولدي .. فلن يزيد ما سقط مني في بِطاح أرض الله شيئا .. وجفف فمي بيمينك .. وأعلم أنني ماطاب لي المِسك إلا من ريقك.

وإن أهذيت بكلام غير مفهوم .. فاستمع اليّ .. ربما أنطقني الله بحكمة في كلمة لم أعي لها بالا .. وأراد الله أن يذكرك بها أو يعلمك إياها، ولا تتأفف من هذياني .. ولا تنعي حظاً يا ولدي ولا تضرب كفاً بكف .. فقط أحتاج حنانك .. اقترب مني .. وتظاهر بأنك تُحدثني .. اشعِرني أني مازلت ذات قيمة، وأنني مازلت حيا .. وأغسل وجهي بماء تطيبه يديك واسقني وأطعمني حلالاً طيبا .. فإني مُقبلُ على الله بطعامك .. وارتقب يوم يأتيني التراق، وتلتف مني الساق بالساق .. اصحبني إلى فِراشي .. وحين تحضرني السكرات وجهني إلى القبلة التي أعتدت عليها، وذكرني الشهادة .. عسى أن يكون وقت أذان أو عِبادة ، واسقني من رحيقِ يدك .. وضع راحتك على جبيني برفق .. ولا تبكى يا حبيب العمر .. لا تجعل آخر عهد ما بيني وبينك ‘‘دمعة’’ على فراق .. وسُد عني ديوني أو تكفل بها لأتحلل منها قبل أن تواريني التراب.

وختاماً : حين أموت ستأخذ مكاني، وأعلم أنك أصبحت إلى قبرك منك أقرب .. فيا كنزي الذي الذي ادخرت، ويا أعز الناس متى التلاق .. عيناك تدفئان روحي .. تبرأ فيهما جروحي .. إلى اللقاء.