^ أولئك الذين تحزبوا وحددوا طريقهم ووضعوا القيادة والحكومة في خانة الأعداء يعانون من مشكلتين أساسيتين؛ الأولى أنهم يسبحون في الخيال كثيراً وبعيدون عن الواقع، والثانية أنهم يضعون أيديهم في يد كل من يقول إنه ضد الحكومة، بغض النظر عن أفكاره ومدى توافقها مع أفكارهم. فهذه المرحلة تسمح لهم حتى بوضع أيديهم في أيدي الملحدين حتى وهم يجهرون أمامهم بعدم إيمانهم بوجود الله سبحانه وتعالى، أي أنه ليس مهماً من تكون ولا ما هي اعتقاداتك وقناعاتك وتوجهاتك؛ المهم أن تكون ضد الحكومة وضد القيادة. ذات يوم أرسل لي أحدهم عبر بريدي الألكتروني مقالاً لواحد من أولئك الذين أعرف أنهم لا يعرفون الله ولا يعترفون بوجوده عز وجل من الذين اختاروا العيش في الخارج لسبب أو لآخر، كان القصد من إرسال المقال واضحاً؛ هو أنه “انظر ماذا يكتب فلان وكيف يهاجم القيادة والحكومة، وكيف أنه يقف معنا في خندق واحد لصالح الحق والعدل.. والإسلام”. لم أقرأ المقال لأنني أدركت على الفور المأزق الذي فيه “الجماعة”، فهم إما أنهم مخدوعون في ذلك الشخص أو أنهم يفتخرون به اليوم لأنه يساندهم على أن يسوى أمره غداً! فالمهم أنه ضد الحكومة وضد القيادة.. حتى إن كان ملحداً! لكن أمثال هذا وذاك كثيرون، أمثال المخدوع أو المتاجر بكاتب كهذا كثيرون، وأمثال ذلك الكاتب المتحول المواقف لسبب أو لآخر كثيرون أيضاً. أما ما يجمع بينهم اليوم فهي المصلحة الآنية التي سرعان ما ستزول ليتناول ذلك الملحد سيرة هؤلاء بالسوء وليتناوله هؤلاء بما يستوجبه الموقف من أقوال وربما أفعال! ما يحدث الآن هو أن هؤلاء لا يهمهم كيف تفكر ولا ما هي مبادئك ولا أهدافك ولا تاريخك ولا علاقتك برب العالمين، بل المهم أن تشاركهم في حفلات السب والشتم عبر مختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة بأنواعها، وأن تنادي بما ينادون به وتقول ما يقولون لتكون مصدر فخرهم واعتزازهم ولتوصف بالوطنية وتختم بختم الجودة. موقف الإسلام من شارب الخمر واضح، وموقفه من الكذاب واضح، وموقفه من المسيء إلى الآخرين واضح، لكن كل هذا لا قيمة له “طالما أنك معنا وضد الحكومة”؛ فشربك للخمر وممارستك للكذب والإساءة إلى الآخرين تدخل ضمن علاقتك الخاصة برب العالمين، بل حتى لو أنك لست معنا، المهم أن تكون ضد الحكومة وضد القيادة، فهذا يتيح لنا أن نسبغ عليك أفضل الصفات والنعوت وأن نقلدك أرفع الأوسمة! لعل البعض يعتبر مثل هذا التفكير ذكاء من الجماعة، فما يفعلونه أنهم يحاولون الاستفادة من مثل هذه العناصر والتعاطف معهم مجاناً وأنهم لو خسروهم لاحقاً وبأي طريقة بما فيها الموت فلا بأس، لأنهم في كل الأحوال هم الرابحون، لكن هذا السلوك يتناقض حتى وأهم الأسس التي يقولون إنهم ينطلقون منها وهو مؤشر سيء على أنهم إن تمكنوا ذات مرة مما هو في بالهم فلن يرحموا أحداً لا يقول بما يقولون ولا يفعل ما يفعلون ولا يؤدي فروض الولاء والطاعة. خلاصة القول أنه إن كان أولئك المحسوبون على التيارات غير الإسلامية يعتقدون أن وقوفهم إلى جانب هؤلاء سيربحون من ورائه إن وصل هؤلاء إلى ما يرمون إليه فهم واهمون، وإن كان هؤلاء يعتقدون أن استغلالهم لأولئك والتفاخر بهم وبما يكتبونه أو يقولونه يعبر عن ذكائهم أو تأكيد ادعاءاتهم أن الجميع ضد الحكومة وضد القيادة فهم مخطئون. معلوم أنه “ما يمدح السوق إلا من ربح فيها”؛ لكن الربح إن كان على حساب الوطن..