^ إن أحد إفرازات الثورة المعلوماتية والاتصالية العالمية يتمثل في قدرة مواقع التواصل الاجتماعي على كسر الاحتكار الإعلامي الرسمي، وتكوين فضاءات عديدة للجمهور للتعبير عن نفسه، ولصناعة رأي عام يخدم قضايا محددة، وقد لا يكون هذا الرأي العام، في مجمله، معبِّراً عن آراء حزبية أو فئوية ضيقة تتعصّب لها الجموع في لحظات الانفعال الشديد. أعتقد أنه لمن المكابرة عدم الإقرار بالتأثير الكبير والخطير للمواقع الاجتماعية الجديدة، كالفيسبوك والإنترنت، على أفئدة الشباب وسلوكياتهم السياسية، حيث أسهمت هذه المواقع في إنتاج ونشر مواد إعلامية لعبت دوراً مؤثِّراً في تحريك الشارع، وتنظيم الحراك السياسي الشعبي، مثلما منحت الشباب أنفسهم القدرة على تنسيق الخطط والجهود بشكل منقطع النظير في التاريخ العربي، أيّ أنها تولّت القيام بدور البديل عن الأحزاب والمنظمات السياسية التقليدية، الليبرالية والعلمانية والدينية، في تأطير الطاقات الشابة وتنظيمها، وتحريضها وتغذيتها بالمواد الإعلامية، وتوجيهها نحو أهدافها السياسية بعيداً عن عيون الرقابة الرسمية، وبمنأى عن توجهاتها ورؤاها. غير أن الجزم بأن مواقع التفاعل الاجتماعي أنتجت لدى فئة الشباب وعياً ديمقراطياً حقيقياً بالمهمات المطلوبة منهم في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الأمة العربية قد يكون حياداً عن الموضوعية والدقة. فمن الواضح من خلال متابعة المواد المنشورة في تلك المواقع، والتي يتم الترويج لها على نطاق واسع باعتبارها “مصدراً موثوقاً” وبديلاً فاعلاً للإعلام الرسمي، أن هذه المواد لا تتوخّى الدقة في انتقاء المعلومة ونشرها، كما إن محتوى المعلومة قد لا يتوافق مع الهدف المتوخّى منها، فغالباً ما يجد المرء أخباراً هامشيةً متفرقةً هنا وهناك تتلاقفها مواقع البريد الإلكتروني للشباب وتلقى التأييد المطلق من قبلهم دون تمحيص أو رقابة ودون أن يكلِّفوا أنفسهم عناء التفكير أو مجرد الافتراض بأنها قد تعبِّر عن أجندة سياسية مذهبية لهذا التنظيم أو ذاك، ومن ثم تفقد هذه الأخبار مصداقيتها وقيمتها الإعلامية المرجوّة حالما ترشح أنباء أخرى تدحضها أو تشكِّك في مضامينها، لذا يصبح من الإسفاف القول بأن هذا النمط من “الفوضى الإعلامية” المبني على المهاترات السياسية، يمكن أن يساهم في تنمية الوعي الديمقراطي الجاد بين الشباب!.