كتب ـ عبدالرحمن محمد أمين:
عيسى الشايجي، أحد العاملين والصناع المهرة في مجال الحرف التراثية التقليدية، أبدع الكثير من المجسمات والأشكال التراثية، وإليه يرجع الفضل في صناعة أول عود يعمل بالكهرباء.
صنع عيسى الصندايق المبيتة مختلفة الأحجام والأشكال، وأحواض سمك الزينة، ومراويس الطرب، وبمناسبة القرقاعون كان يصمم مجسمات لأدوات الطرب صغيرة الأحجام، وأبدع أيضاً شعارات للأندية والفرق الشعبية.
ويطالب عيسى المسؤولين المعنيين بالتراث، بتشييد مقر دائم لأصحاب الحرف اليدوية أسوة بدولة قطر، ويقول «للأسف الكثير من مفردات تراثنا انتقلت إلى دول الجوار لغياب الاهتمام».
ولد عيسى حسن الشايجي بفريج العمامرة في المحرق سنة 1953، وعلى يد القابلة أم فرج أبصر النور وأطلق صرخته الأولى يقول «أطلق على الفريج اسم العمامرة لأن أكثر ساكنيه كانوا من عائلة العماري».
بدأ عيسى مشواره التعليمي بدراسة القرآن الكريم عند المطوعة موزة، ولكنه لم يختم القرآن لأنه كان كثير الهرب من الدرس «درس معي عند المطوعة موزة زملاء كثر، أذكر منهم الممثل القطري غانم السليطي وهو من مواليد المحرق ويقع منزل عائلته قرب بيت الهاشل».
في عام 1960 دخل إلى مدرسة المحرق الشمالية التحضيرية «مدرسة عمر بن الخطاب» حالياً، «كان مديرها الراحل الشيخ عمر بن عبدالرحمن آل خليفة، وسكرتيرها مبارك سيار، ومن المدرسين أذكر الراحل محمد الملا والراحل إبراهيم الجودر، وأحمد بوغمار، وأحمد النعيمي، وخليفة علي، وعبدالحميد أبوطه، وشكيب كتمتو».
أولع عيسى الشايجي بالرياضة وكان ماهراً بالوثب العالي وكرة القدم والسلة «مارست كرة القدم مع فريق شباب المحرق، وكان من لاعبي الفريق الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة وزير الداخلية الحالي، والشيخ دعيج بن سلمان آل خليفة رئيس هيئة الأركان، والشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، عبدالله وراشد شريدة، وكان المدرب الكابتن أحمد بن سالمين».
لعب عيسى في مركز جناح أيسر ووسط «كنا نلعب على ساحة ملعب نادي المحرق السابقة في البسيتين»، ومن الطرائف يذكر «في إحدى المباريات وكنت مندفعاً بالكرة نحو مرمى الخصم وسجلت هدفاً، واندفعت إثره نحو سور الملعب الحديدي فاصطدمت به، ما سبب لي رضوضاً في ظهري، فتولى علاجي الراحل يوسف بونفور والد اللاعب المخضرم السابق عيسى بونفور -كان من أكبر مشجعي فريق المحرق- ودهن ظهري بمادة (النورة) المستخدمة في تخطيط أرضية الملاعب حينها، لوقف نزيف الدم».
في «الهداية الخليفية»
في سنة 1967 وبعد حصوله على شهادة التخرج من الابتدائية، انتقل عيسى الشايجي إلى مدرسة الهداية الخليفية «كان مديرها الراحل عبدالله فرج، ومن المدرسين أذكر حسن المحري وياسين الشريف وعادل سفيان، ومن الطلبة الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة وزير الداخلية الحالي، والراحل عبدالله السيد هاشم وكان من ألمع لاعبي الكرة بفريق المحرق، وعبدالرحمن هجرس، واللواء دعيج بن سلمان آل خليفة رئيس هيئة الأركان».
تخرج عيسى من مدرسة الهداية عام 1972 بعد حصوله على شهادة التوجيهي «عملت بعدها مباشرة بإدارة الهجرة والجوازات وكان مقرها في المبنى الغربي لبوابة باب البحرين في المنامة، وكان مديرها الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، كنت أكتب المعلومات على الجوازات الصادرة لأني وما أزال أملك موهبة إجادة الخط العربي، ومعي من الموظفين راشد المحري وجوهر مفتاح وإبراهيم نجم، وراتبي لا يتعدى 35 ديناراً، أدفع منه 30 ديناراً للوالدة، وأكتفي بخمسة دنانير كمصروف طوال الشهر، وكان كافياً وأحياناً أوفر منه».
في عام 1974 نقل عيسى إلى ميناء المنامة لمدة سنتين «كنا نتولى مهمة تخليص إجراءات دخول وخروج السفن والبوانيش القادمة أو المغادرة من وإلى إيران والإمارات العربية المتحدة والسعودية وخصوصاً للحجاج قبل افتتاح جسر الملك فهد، وكان مسؤول الفرضة سلطان الزايد، ومن الموظفين الراحل جاسم الشامسي وخليل الأحمد وعلي الخال».
انتقل عام 1975 إلى قسم التأشيرات بمطار البحرين الدولي في فترة رئاسة سمو الشيخ علي بن خليفة آل خليفة لإدارة الهجرة والجوازات «كان مسؤولي المباشر الراحل أحمد مقبل ومن بعده حسن البي، وعملت مع الإخوة صالح شمسان ويوسف المالكي حارس منتخب البحرين السابق لكرة القدم وأحمد الديري».
انتدب عام 1978 إلى ميناء الحوض الجاف لسنة واحدة فقط لتدريب الموظفين الجدد على إدارة الأعمال وعاد بعدها إلى المطار «مع افتتاح جسر الملك فهد عام 1986 نقلت للعمل هناك لسنة واحدة فقط، عدت بعدها إلى مكتب الجوازات بالحوض الجاف، وتنقلت بعدها حتى تقاعدي عن العمل سنة 2009، من منفذ إلى آخر، لأكون مسؤولاً عند خروج مسؤولي المنافذ في إجازاتهم السنوية بعد أن أنهيت 40 عاماً من الخدمة المتواصلة».
ويتأسف عيسى الشايجي أنه لم يحصل طيلة فترة عمله وحتى التقاعد، على أي تقدير أو رسالة شكر من جهة عمله ويقول «الحمد لله كانت سمعتي طيبة، ولم أستغل عملي فيما لا يرضي الله».
في عام 1980 تزوج عيسى وأقام حفل زواجه في مقر نادي المحرق السابق بالبسيتين وقضى شهر العسل في قبرص، ولديه الآن أربعة أبناء صبيان وبنتان «كلهم يعملون ما عدا البنت الأخيرة فهي الآن تدرس في الجامعة، ولم يبقَ معي في البيت إلا الولد الصغير الذي تزوج مؤخراً، والبنت الصغيرة».
صناعة التراث
زوجة عيسى الشايجي مهتمة بالتراث وكانت تملك سجلاً تجارياً لصناعة التحف والأشغال اليدوية يقول عيسى «أردت مساعدتها، وهنا كانت بداية اهتمامي بحرفة التجارة والرسم والخط، بدأت العمل بالمنزل ثم افتتحت أول محل لعمل الصناديق المبيتة بأشكال مختلفة كفرشات الزواج السابقة والدور والمنازل القديمة وأحواض أسماك الزينة ومراويس الطرب بالأخشاب والزجاج والألمنيوم والفخار بأحجام صغيرة وكبيرة، والأخيرة لم يصنعها به أحد قبلي».
ويضيف «كنت أحنط الطيور بعد موتها وأضعها في صناديق زجاجية، وأنا أول من صنع أعواد الطرب العاملة بالكهرباء عام 1990، وأخذ مني الفكرة صديق كويتي يملك معرضاً يسمى (سالمين للأعواد)، وكان الإقبال كبيراً لشراء أعواد الغناء في السابق عندما كان سعر العود 50 ديناراً فقط، أما الآن فلا أرى من يسأل عن شراء العود بعد أن وصل سعره إلى 400 دينار».
وصنع عيسى راديو بطراز قديم يعمل بالكهرباء ونال إعجاب كل من شاهده «مازال في محلي وأرحب بكل من يريد مشاهدته، وكنت أيضاً أصنع مجسمات لأدوات الطرب الشعبية المختلفة مثل الأعواد والطبول بأحجام صغيرة بمناسبة القرقاعون، إلى جانب تصميم شعارات الأندية والفرق الفنية وفرق العرضة العربية، ومرايا تحمل رسم طاووس كانت تستعمل بكثرة في السابق وخصوصاً في غرف الأعراس».
يركز عيسى اليوم عمله في إصلاح المواريس والأعواد لأن لها سوق رائجة ولديه الكثير من الزبائن على حد قوله، وخصوصاً من قطر والكويت «أما أهل البحرين فأكثر الزبائن يريدون إصلاح أعوادهم».
وعن مشاركته في المعارض الداخلية يقول «شاركت في معرض واحد فقط أقيم في أرض المعارض عام 2010 تحت شعار (صنع في منزلي)، وبعد المعرض قررت عدم المشاركة في أي معرض مستقبلاً، لأني أغلقت محلي طيلة أيام المعرض وخسرت الكثير، دون أن أحصل على أي مقابل مادي أو معنوي بل حتى رسالة شكر».
ويدعو عيسى المسؤولين عن الثقافة والتراث في البحرين، أن يحذو حذو دولة قطر بتشجيع أصحاب الحرف اليدوية، وتشييد مقر دائم لهم أسوة بما هو قائم في سوق واقف بالدوحة «ما يؤسف له أن الكثير من مفردات تراثنا نقلت إلى دول الجوار، لعدم اهتمامنا بالتراث في الفترات السابقة».
أحداث طريفة
ويذكر الشايجي أحداثاً طريفة وقعت له أثناء عمله بالجوازات «في إحدى المرات ذهبت إلى باخرة يونانية في عرض البحر لتفتيشها، فشاهدت تحت إحدى الرافعات 3 رجال ذوي بشرة سوداء، سألت كابتن الباخرة عنهم، فقال إنه لا يعلم عنهم شيئاً، طلبت منه عندها قائمة بأسماء البحارة فلم أجد أسماء الأفارقة الثلاثة بينهم، ولا بين أسماء ركاب الباخرة».
عاد عيسى مجدداً إلى الأفارقة الثلاثة «فإذا هم في خوف وهلع طالبين مني الرأفة، فعرفت أنهم تسللوا إلى الباخرة دون أن يراهم أحد، فطلبت من الكابتن وضعهم في حجرة واحدة، بينما أحضرت لهم اللباس والطعام، وعند مغادرة الباخرة تأكدت من وجودهم عليها، لكني عرفت فيما بعد أن الكابتن قيدهم وألقاهم في عرض البحر، خشية محاسبته لدخولهم الباخرة دون علمه».