بريشته الأنيقة، وهو جالس يشع ابداعاً وفناً راقياً في زاوية من زوايا السيف، التقت «ليالينا» بروعة الجمال والفن التشكيلي والذي يتمثل في الفنان والرسام المبدع موسى الدمستاني الذي تاريخه حافل بالإنجازات والإبداع منذ أكثر من 30 عاماً، العضو النشيط في جمعية البحرين للفنون التشكيلية، والذي بدأ نشاطه منذ العام 1986م حتى الآن بالتعاون مع جميع الجمعيات الخيرية لإبراز وصقل مواهب الأطفال والطلبة في البحرين، فضلاً عن مشاركته في كثير من المعارض داخل وخارج البحرين، ربما يمكننا أن ننسب الفنان الدمستاني إلى المدرسة الانطباعية، التي عمل ضمن خاناتها وموضوعاتها، حيث يرى في الطبيعة مادة فنية كثيفة يستمد منها موضوعاته ويحاول دائماً أن يضفي لمساته الخاصة، التي تخلق من لوحاته عملاً متفرداً بذاته معتمداً على أدواته البسيطة التي ألفتُه وألِفَها.. فضلاً عن كل ذلك.. آثرَ الدمستاني أن يتحدث لنا فقط عما يتضمنه برنامجه في مجمع السيف من تدريب الأطفال وصقل مواهبهم من خلال ورش العمل التي يقدمها، دون الحديث عن تاريخه الفني العريض والثري بالإبداع والإنجازات.. فكان هذا الحوار:
منذ متى بدأتْ الورش الفنية للأطفال انطلاقتها في مجمع السيف؟
منذ نحو سنة و6 أشهر تقريباً بدأ تنفيذ هذه الفكرة وهذا المشروع الفني، حيث بدأتْ الفكرة حينها لدي وتبلورت وقمت بإعداد برنامج يكون حياً على الطبيعة، ويهدف إلى تعليم وتدريب الأطفال الهواة على الرسم من خلال ورش فنية مجانية للأطفال لتعليمهم مهارات فنية متنوعة وتنمية قدراتهم الابداعية، وعلى إثر ذلك تقدمت بالفكرة والبرنامج إلى إدارة مجمع السيف لتنفيذ هذا البرنامج في مساحة من المجمع، خصوصاً في ظل وجود الكثير من الأطفال الموهوبين في البحرين يقومون بزيارة المجمع مع عوائلهم، وفعلاً.. رحبتْ إدارة المجمع بالفكرة وبدأ تنفيذ البرنامج منذ ذلك الحين بتوفير المساحة المطلوبة وأدوات الرسم والألوان والمقاعد وجميع المستلزمات الأخرى.
ما مدى إقبال العوائل وأطفالهم خصوصاً على هذا البرنامج منذ أن بدأ؟
لم يكن متوقعاً أن يكون الإقبال بهذا الحجم وهذا العدد في البداية، وقد تفاجأنا فعلاً، وقد اضطررنا إلى إضافة مقاعد إضافية لاستيعاب عدد المشاركين، إذ لاقت ورش العمل الفنية منذ انطلاقتها رواجاً كبيراً من قبل مرتادي مجمع السيف، حيث شملت هذه الورش تعليم الأطفال أساسيات الرسم والتلوين باستخدام الأقلام الملونة وألوان الشمع والالوان المائية، وصقل مواهبهم واكتشافها وتوجيهها توجيهاً سليماً، واستمر هذا الحال لمدة سنة و3 أشهر تقريباً، حتى قررت إدارة المجمع مؤخراً نقل المساحة التي تكون فيها الورش إلى منطقة مغايرة، وهي التي نحن فيها الآن، ورغم أن الموقع الجديد يتمتع بمميزات أفضل نظراً لحجمه ومساحته وما يوفره من راحة للأطفال، إلا أن عدد الأطفال حالياً قل مقارنة مع ما سبق، نظراً لتعودهم على الموقع السابق، ونحن من هنا نريد أن نعرّف مرتادي المجمع من العوائل والأطفال على المساحة الجديدة التي تقام فيها الورش الفنية من أجل مشاركتهم والاستفادة في صقل مواهبهم الفنية، فنحن يومياً نخصص وقتا معيناً للأطفال المشاركين يبدأ من الساعة الرابعة وحتى السادسة مساءً بالقرب من «ماركس وسبنسر» ومحلات الحواج، حيث أن الطفل لا يستطيع التحمل أكثر من ساعتين في رسم لوحاته، لذلك خصصنا وقتا مناسباً للأطفال والعوائل أيضاً.
بالنسبة لعمر الأطفال المشاركين في مثل هذه الورش الفنية، فهل ثمة عمر محدد أم أنه مفتوح؟
عادة يكون سن المرتادين من الأطفال لورش العمل الفنية تتراوح أعمارهم بين 3 إلى 12 سنة، ومن قبل وضعنا برنامجاً يتعلق بالتلوين فقط، في حين أضفنا أيضاً نشاطاً آخر مؤخراً يتعلق بالرسم الحر بحيث يقوم الطفل برسم ما يود رسمه من بنات أفكاره، ويبدع بما يشاء من ابداعه، فهناك يوجد طفل مثلاً يتمتع بفن وإبداع في التلوين لكن ليس بالضرورة أن يكون مبدعاً أيضاً في الرسم، والعكس صحيح أيضاً، فبالنسبة للجانب التلويني هو مخصص لاكتشاف المهارات في هذا الجانب، فضلاً عن كونه سريعاً، حيث أن معظم الآباء والأمهات ممن يرتادون المجمع غالباً ما يكونون مستعجلين ولديه مشاغل كثيرة.
حدثنا عن البرنامج الأسبوعي الموضوع للأطفال لاكتشاف مهاراتهم وتطويرها؟
من يوم السبت حتى يوم الثلاثاء لدينا برنامج لتعليم الرسم بالألوان الخشبية والشمعية، وهي الألوان المحبّبة للطفل والسريعة، وهناك أوراق مخصصة أيضاً للأطفال والبنات، ورسومات مختلفة تتناسب مع أذواق الأطفال من الذكور والإناث، ونحرص دائماً على أن يقوم الطفل هو باختيار الصورة التي يحبها ويحبذها دون قيام الأم أو الأب بالاختيار له على ذوقهم، خصوصاً أن الأطفال أصبح لديهم اليوم تذوق أكثر من الماضي، لذلك من الضروري أن يختار الطفل الصورة التي يود رسمها بنفسه حتى يحب ذلك ويستمر فيه. أما يوم الأربعاء فتم تخصيصه للعب بالصلصال «الطين» ضمن البرنامج الأسبوعي، ويوم الخميس يتضمن التلوين بالألوان المائية، في حين تم تخصيص يوم الجمعة للرسم الحر واكتشاف المواهب كما ذكرت سابقاً، وإضافة إلى ذلك، فإننا نقوم كل يومي خميس وجمعة من كل أسبوع بعرض أفضل اللوحات التي قام الأطفال بتلوينها أو رسمها إيماناً منا بتشجيع المواهب وزيادة جرعات الحماس لدى الأطفال للمضي قدماً للأمام وتحقيق ما هو أجمل في مسيرتهم وحياتهم ومستقبلهم.
كيف يتم احتضان الأطفال في بداياتهم حينما يدخلون الورشة واكتشاف ميولهم من حيث الرسم أو التلوين؟
في البداية، لابد أن أقوم بمراقبة الطفل من حيث كيفية خطوطه وتلوينه، وإذا وجدت طفلاً يقوم بعملية التلوين بطريقة خاطئة مثلاً، أقوم بإرشاده إلى الطريقة الأساسية الصحيحة، لكن الأطفال الذين يقل أعمارهم عن 6 سنوات صعب أن تتدخل في توجيههم لأن هذه المرحلة تعتبر الانطلاقة الحرة للطفل في الرسم والتلوين، لكن الطفل الذي يفوق عمره سبع سنوات، هنا تستطيع أن توجهه وتأخذ رأيه في الألوان والخطوط وتدريبه على الطرائق الصحيحة تشجيعا له وصقلاً لمواهبه.
هل هناك ثمة معايير معينة أنت ترتكز عليها في تعليم وتدريب الأطفال؟
طبعاً، هناك أسس لابد من أن تكون حاضرة في سياق التدريب بحيث تكون قواعد أساسية للتعلم، فكوني كنت مدرساً للتربية الفنية منذ أكثر من 30 سنة، لابد أن أأخذ بتلك الأسس والمعايير في التطبيق العملي، فمثلاً الطفل الذي يتراوح عمره بين 7 إلى 12 عاماً لابد أن يتعرف على أمور كثيرة منها: الألوان الفاتحة والداكنة، ويتعرف على الظل والنور، وعلى المنظور، وكذلك طريقة التلوين من حيث كيفية تلوين الألوان الحارة والألوان الباردة، وكيفية استخدام اللون الأصفر مع البنفسجي مثلاً.. وهكذا، وطبعاً كل مرحلة لها قوانين معينة وأسس لابد من الارتكاز عليها.
وهل هناك برنامج آخر إضافي تقوم به بعد انتهاء البرنامج الاسبوعي الذي هو مخصص لمدة ساعتين يوميا؟
نعم، بعد انتهاء البرنامج الأسبوعي، أبدأ برسم لوحات «بورتريه» شخصية للزوّار بأسعار مناسبة، سواء كان للكبار أو للصغار، فمدة الطورة لا تتجاوز أكثر من 10 إلى 15 دقيقة فقط، في الوقت أن رسم «بورتريه» للأطفال يستغرق أكثر نظراً لكثرة حركتهم.
كنتَ وما زلتَ من أوائل الفنانين الغيارى على فنهم والحريصين على عرض تجاربهم في صالات جمعيات التشكيل والمعارض المختلفة، فلماذا في سنواتك الأخيرة وبدأتَ تعرض تجاربك في المجمعات التجارية من دون صالات العرض؟ لماذا هذا التوجه؟
لأن تمتد حياتي الفنية لأكثر من 30 سنة مع الطفل، ومن هذا المنطلق أردت أن أقدم شيئاً للطفل يخدمه وينمّي موهبته ويطوّرها وأضع بصماتي فيها، وحتى تكون الموهبة لدي أيضاً بعد التقاعد تستمر وتشتعل بما يطورها وأستثمرها استثماراً يخدم فئة الأطفال وينهض بمواهبهم ويوجهها توجيهاً صحيحاً ينتج فنانين ومبدعين مستقبلا.
بالنسبة للأذواق، هل تختلف الأذواق عند جمهور المجمعات عن جمهور المعارض التي سبق أن شاركت في كثير منها؟
كنت سنوياً، أقيم معرضاً قريب من البرنامج، والآن طلبت من إدارة المجمع أن يكون لي معرض قريب من المشروع لعرض اللوحات حتى يطلع عليها الزّوار من المرتادين للمجمع، وكذلك الأطفال ليتعرفوا على مستوى الفنان الذي يعطي ورش العمل في البرنامج، وكذلك عرض اللوحات المتميزة للأطفال في نفس المكان لتشجيعهم وأولياء أمورهم للمبادرة في الدفع بأولادهم للمواصلة في مثل هذا الورش الفنية لمزيد من الاستفادة. أما بالنسبة للأذواق لا شك أنها تختلف، لكن اليوم الطفل ومرتاد المجمع كذلك له ذوقه الخاص ونظرته الخاصة التي يتذوق بها كل ما هو مبدع وجميل.
ذلك يقودني إلى سؤال، هل معنى ذلك أن هناك بعض الأطفال ممكن أن نعتبرهم «مدنين» على التردد على الورشة؟
لا شك، هناك بعض الأطفال والعوائل يأتون للمشاركة في الورشة بشكل دائم وأسبوعياً، ويواصلون الرسم والتعلم والتدريب على مختلف المهارات.
طيلة مدة المشروع في المجمع، كم عدد الأطفال الذين شاركوا في الورشة بشكل تقريبي؟
لدي سجل خاص لتسجيل أسماء جميع الأطفال الذين يشاركوننا في الورش بمختلف مستوياتهم العُمرية، والذي اكتشف فيه ملامح الإبداع أكتب على اسمه ملاحظاتي مع ارفاق أرقام هواتفهم وأسلمهم لإدارة المجمع، والذين شاركونا يفوق 1000 طفل، والذين تم اكتشاف مواهبهم يفوقون 500 طفل، فهناك أطفال في البحرين مبدعون حقاً ويحتاجون إلى الرعاية والاهتمام المتواصلين حتى يتم صقل موهبتهم أكثر.
أنت كفنان، هل ترى أن ممكن لهؤلاء الأطفال أن يكون لهم مستقبلاً مشرقاً؟
طبعاً، مثلاً الطفل من المرحلة الابتدائية وصولاً للمرحلة الإعدادية يعتبر مثل ورقة بيضاء، ومن يضع على هذه الورقة ملامح الإبداع وبصمات الفن هو المدرس نفسه، وعليه يقوم الطالب أو الطفل بتطوير الإبداع وابتكاره، مع ضرورة أن يحصل الطفل على متابعة مستمرة وتشجيع من أجل الاستمرار والإبداع.
على مستوى الإقبال من المشاركين في البرنامج، أيهما أكثر إقبالاً الذكور أم الإناث؟
الأطفال الإناث هم أكثر إقبالا من الذكور، لأن البنت هي أكثر التزاماً من الذكور في كل الأمور، لأن البنت تواصل وتستمر وصبورة في تنمية مواهبها ولا تستعجل، في الوقت أن الذكر سريع غالباً.
كمدرب وفنان، كيف تجد أكثر الرسومات التي يرسمها الأطفال؟ وعلى ماذا تتركز؟
في برنامج الرسم الحر، تتركز أغلب رسومات الأطفال حول المنزل والحديقة والبيئة التي يعيش فيها ومحيطة به، وكذلك عن بلده البحرين والوطن وعلم الوطن.
ختاماً، ما هي الرسالة التي تود أن توجهها أنت كفنان لزائري ومرتادي المجمع من العوائل مع أطفالهم؟
أن هذا البرنامج ليس بسيطا، وإنما فيه إبداع وتطوير للمهارات وصقل للمواهب، فمن يحرص على أن ينمي مواهب الطفل فنياً، فليزر الورشة أكثر من مرة ويستمر في ذلك حتى يتمكن الطفل من المواصلة في التدريب والتعلم، وأنا فنان أحب العمل التطوعي وإفادة الناس وخدمة البلد، والشكر موصول لإدارة مجمع السيف.
اقرأ أيضاً:
الفنانة التشكيلية نادين الشيخ: الألوان والرسم هي وسيلتي للتعبير والإبداع
مريم أنور أحمد: يشرفني أن أعيش في جلباب أبي!!