بطموحها الوارف كظلال الأشجار .. ومنذ كانت يافعة بنعومة أظافرها .. ونظراً لحبها للسفر والترحال لمختلف البلدان .. أحبتْ الطائرة وما يتعلق بالطيران عموماً .. فتولدتْ لديها الرغبة والحلم لأنْ تصبح متميزة عن غيرها .. فكان حلم (هندسة الطيران) الذي ربما كان يّنظر إليه على أنه محصور وحكر على الذكور أقرب منه للإناث .. لكن .. بإصرارها وإيمانها بقدراتها وبعد التوكل على الله تعالى .. تحقق حلمها ليُصبح حقيقة .. وخاضت المجال وواجهت كل الصعوبات والتعديات، وغيّرتْ مفاهيم ووجهات نظر ممنْ هم حولها .. فبعدما كانوا منتقدين لها أصبحوا داعمين إليها .. فتخرجتْ من هندسة الطيران وعملت في التخصص ذاته رغم مشقته .. ولا زالت تطمح إلى تحقيق ما هو أكثر من ذلك في المجال الذي اختارته لنفسها .. هي مهندسة الطيران هند العوضي التي أجرت “ليالينا” معها هذا الحوار حول حلمها وتجربتها وطموحها والصعوبات التي واجهتها:

هل كان التخصص في هندسة الطيران حلم يراودك منذ الطفولة، أم أن سوق العمل فرضت عليك الدخول في هذا المجال؟
منذ الصغر كنت أحلم بهندسة الطيران لأني شغوفة بالطيران، وكنت أصرّح بذلك أيام التخرج في مرحلتي الإعدادية والثانوية بأني أطمح أن أكون مهندسة طيران، وكان مَنْ يسمع ذلك ممن هم حولي يأخذونها بروح الدعابة وبعضهم بالاستهزاء، وكانوا ينظرون – ولا زالوا – بأن هذا المجال محسوب على الذكور ولا يصلح للإناث عموما. لكن أحببت أكون مختلفة ومتميزة، ولأثبت للجميع بأن المرأة قادرة على العمل والإنجاز في أي مجال، وليس هناك مجالات حكرا على الرجال أو الإناث، وإنما الإرادة وحب العمل – بعد التوكل على الله - هما من يحققا طموح الإنسان، فخضت التجربة، وفي البداية لم يكن تحدياً، ولكن صممتُ على خوض هذه التجربة لإثبات نفسي، فكان ذلك.

ألم تواجهي بعض الانتقادات مثلا من المحيطين حولك حول دراسة هذا التخصص كونه غالباً يحسب على المهنة الذكورية؟
كثيراً ما واجهت انتقادات وعتاب ممن هم حولي، بل من أقرب الناس إلي، فالأهل كانوا رافضين للفكرة، خوفاً علي من التعب في هذا التخصص كوني امرأة، ليس تشكيكاً في قدراتي، وإنما كونهم يرون أن هذا المجالات هو للرجال دون النساء، وكذلك الأصدقاء والأصحاب كانوا في البداية معظمهم معارضين، وكان الناس في مجتمعي المحيط بي مستهزئين أغلبهم، لكن أول ما اتخذت قراري، وأثبت لهم بأني جادة في خوض ودراسة هذا المجال حقيقة وليس مجرد أمنيات، عند ذلك شيئاً فشيئا بدى بعض الناس يدعمونني ويساندونني، حين وجدوا بي الجدية للوصول وتحقيق ما أتمناه، ولا زال عموماً بعضهم معارضا لاعتبارات كثيرة هم يرونها.

لكن، بعد تخرجك ألم تتبدّل وجهة نظرهم تجاه تخصصك هذا؟
بعد التخرج، أثبتُ لهم بأني قطعت نصف الطريق، خصوصاً أني أولى المتخرجات من دفعتي، فكان يرى بعض منهم أني فعلاً نجحت في الدراسة النظرية، لكن يرون أن ليس بالضرورة أنجح في الجانب العملي والتطبيقي كأنثى في هذا المجال، ومثّلَ تخرجي لي دافعاً وحافزاً بأن أكون أولى المتخرجات والحاصلات على الرخصة الدولية من «إياسا»، فكنتُ ربما في حالة أشبه بالذهول، كوني أنثى وتخوض هذا المجال في جانب الرجال.

ما هي العوائق التي واجهتها قبل وفي أثناء دراستك في هذا المجال؟
أهم العوائق قبل الدراسة هي الفكرة العامة من خوض هذا التخصص، وبعد التخرج وحصولي على الرخصة الدولية والتطبيق العملي، كنت حينها صغيرة سناً كثيراً، حيث كان عمري حين تخرجي لا يتجاوز 21 سنة، واستمرت دراستي 4 سنوات، سنتان منها نظري، وسنتان عملي، وبدأت الدراسة في عمر الـ«18» عاماً.  كانت دراستي لهذا المجال صعبة جدا من جهة تقبل الناس وكذلك بالنسبة لعائلتي، وفي الغالب فإن نسبة اقبال الفتيات في جامعات البحرين ومعاهدها للتخصص في مهن تقنية وميكانيكية قليلة، وهو ما ينطبق على تخصص هندسة الطائرات. وربما ذلك هو إحدى العوائق والتحديات أيضا. ورسالتي للجميع أٌقول: بأن أهم شيء عند الإنسان هو إيمانه بقدراته وإرادته بأنه يستطيع أن يصل لما يتمنى بغض النظر عن المعوقات التي تواجهه في طريقه، طالما لديه الطموح والإرادة والثقة وإيمانه بقدراته.

 

مَنْ مِنِ المحيطين بك لا تنسين فضله عليك في تشجيعك ودفعك للتخصص في هذا المجال والمواصلة فيه؟
أولاً الحمد لله، فالفضل الأول لله تعالى وتوفيق منه، ثم للوالدين لأنهما كانوا أكثر المحفزين والمساندين بعد أن كانا أكبر المعارضين حين رأيا تصميمي وقراري وثقتي على خوض هذا المجال فعلاً، ولا أنسى أيضاً الكثير من الأصحاب والأصدقاء الذين كانوا معارضين في البداية أيضاً للفكرة، لكن فيما بعد أصبحوا داعمين ومحفزين لي في كل المراحل.

هل تجدين أن هذا القطاع وحركة الطيران يتجه إلى الازدهار في المنطقة عموماً والبحرين خصوصاً أم هو في تراجع؟
المفروض أن تكون منطقة الخليج خصوصاً في ازدهار هائل، بحكم عدد شركات الطيران التي أخذت تكبر وتزداد في هذا القطاع، والبحرين بالذات من المفترض أن تكون سبّاقة وموردة لمهندسي الطيران والطيارين أيضا، فهذا القطاع واعد جداً على المستويين المحلي والإقليمي، وأن المنطقة تشهد حركة طيران مزدهرة وتوسع كبير في المطارات والأساطيل الجوية للشركات الناقلة، بالإضافة إلى افتتاح مطارات جديدة مما يفتح آفاقا تشغيلية كبيرة في هذا المجال. فالقطاع نفسه ربما يكون في ازدهار مع ارتفاع عدد شركات الطيران، لكن الوظائف عموما في تراجع كبير، وهناك نقص كبير في الكوادر، ولا أعلم لماذا التوظيف أصبح في تراجع مع هذا التمدد في عدد شركات الطيران.

ما الذي تأملينه من الدولة والمسؤولين في البحرين بشأن هذا القطاع؟
أظن أن الدولة والبلد فخورة عموماً بالكوادر البحرينية التي تعمل في هذا المجال أو غيره، خصوصاً نحن نعمل في مجالٍ قاسٍ نوعاً ما، لكن أتمنى من الدولة عموماً أن تدعم بشكل أكبر الكوادر البحرينية التي تكافح من أجل بناء نفسها سواء في هذا المجال أو غيره، فالشباب البحريني طموح ويعطي الكثير من جهده ومن كفاحه للوصول لأهدافه وأمانيه.

كونك امرأة، ودخلت هذا المجال – رغم تحفظ الكثيرين حوله – وأثبت وجودك، كيف ترين طموح المرأة البحرينية، وهل يرضيك ما وصلت إليه المرأة في مختلف المجالات؟
أنا أفتخر كوني بحرينية، والمرأة البحرينية سباقة منذ القدم في كثير من المجالات والميادين، والمرأة البحرينية مكافحة جداً، وأثبتت جدارتها، وطبعاً الطموح لابد أنه لا يتوقف عند حد، وهذا ما تسعى إليه المرأة في البحرين اليوم.

ألا تتطلعين إلى أن تكون هناك معاهد متخصصة في التدريب في هذا المجال مثلاً؟
هناك 3 معاهد في البحرين في مجال هندسة الطيران، وأجدها كافية، لكن المشكلة في التوظيف، رغم أن النقص كبير، لكن شركات الطيران في البحرين محدودة، فأتمنى أن يتم دعم هذه الشركات للاستفادة من الكوادر البحرينية المتخرجة.

بعد أن حققتِ حلمك وأصبحت مهندسة طيران، إلى أين يقودك طموحك؟
هندسة الطيران لم يكن يمثل لي حلماً، وإنما هدف، وكل هدف تكرّس له الوقت والجهد وتحققه حتى تنتقل إلى الأهداف التي تليه، وطموحي أن أكمل في مجال هندسة الطيران ليس اسماً فقط، وإنما أكون مهندسة ذات كفاءة عالية فعلاً، وأجد نفسي حالياً في بداية المشوار، من أجل اكتساب الخبرة بشكل أكبر، ولا زلت الآن أدرس من أجل اكتشاف كل ما هو جديد في مجال هندسة الطيران، فضلاً عن الأهداف الأخرى التي أصبو إليها كالشهادات الأكاديمية التي ستزيد من خبرتي والتجربة التي سترفع من كفاءتي عملياً.

هل تحبين السفر؟
نعم جدا.

على ذلك، هل نفهم أن حب الطيران قادك إلى حب السفر؟
العكس صحيح، حب السفر قادني إلى حب الطيران، وأجد نفسي أن ورثتُ ذلك من والدي، فمنذ الصغر أحب السفر كون والدي لديه شغف كبير في الأسفار، فمن خلال السفر أحببتُ الطيران وتعلقت بكل ما هو مرتبط بالطيران، ولذلك تولدتْ عندي الرغبة لأن أصبح مهندسة طيران.

ما أكثر البلدان التي تحبين السفر إليها؟
البلدان المعتدلة الجو، مثل شرق آسيا، فهناك الحياة بسيطة، فمع التلوث والضجيج وضغط الحياة يقودني لتلك المناطق معتدلة الجو طيلة العام، وأحب المناطق الأخرى أيضاً التي فيها التراث والعصرية والحداثة والحضارة العريقة في نفس الوقت التي تلهمني الإحساس بالجمال وكل ما هو جديد.

في جانب كونك مهندسة طيران، أنت مهتمة أيضاً بالموضة وعرض الأزياء وأطلقت حسابا على الانستغرام لعرض صور الأزياء والاكسسورات، ما الدافع لذلك؟
لدي شغف بالموضة والأزياء منذ الصغر، فبالنسبة لي، فالحياة العملية شيء، وما تحبه المرأة من عروض وأزياء شيء آخر، وعليه، في البداية كان اهتمامي الدائم بالأزياء سببا في جعلي كأني مستشارة لمن حولي في هذا المجال، يأخذون برأيي بشأن ملابسهم واكسسوارتهم، وهذا ما شجعني لتكوين خط أزياء «ستايل» خاص بي، ولحاجتي للتواصل الدائم مع محيطي توجهت لعالم الشبكات الاجتماعية وأنشأت صفحة على فيسبوك أولا ثم على حساب الانستغرام «red_ _ _line»، وكنت أهدف من ذلك إلى نشر ثقافة التنوع في الملابس بما يتماشى مع آخر صيحات الموضة، ورفع ذائقة المجتمع البحريني في هذا المجال. وليس الغرض تجاري بحت. فالأزياء والموضة فن عميق وإلهام.

هل تقرئين كتباً مثلاً في المجالين: الهندسة والأزياء؟
نعم، كثيراً ما أقرأ في ذلك، وأطلع، ففي مجال الهندسة لابد أنه لا يمر شهر إلا وأدخل “كورس” أو تدريب وأسعى لدراسة كل ما هو جديد في هذا المجال والقطاع، وأما في الموضة والأزياء فاطلاعي أكثر واعتمادي على المجلات والتعرف على كل ما هو جديد في صيحات الموضة، وصديقي هو الكتاب في أوقات فراغي، وقراءتي في التفكير الإيجابي وتحقيق الأحلام، وكيف يتصدى الإنسان للمعوقات والتحديات في حياته وأقوم بنشرها في الانستغرام.

هل تفكرين في أي مشروع مستقبلي في أي من المجالين؟
نعم، تستطيع أن تقول هناك فكرة لدي في هذا الجانب، لكن إلى الآن لم تتبلور ملامحها بشكل واضح، وكيف سأبدأ، ولكن طالما موجودة الفكرة العامة فكل حلم أو هدف أو مشروع سيبدأ بهذه الفكرة، والفرص في الحياة لابد للإنسان من أن يستغلها، والتوفيق من رب العالمين.

كلمة أخيرة؟
بغض النظر عن الطيران أو الأزياء أو أي مجال آخر، أقول: حياتك خيارك فأحسن اختيارك.

‎إقرأ أيضا?":?
‎مهندسة الطيران القطرية سارة الحيدر:لا أخاف التحدي وأكره الظلام
‎اشترك بنشرة ليالينا الإلكترونية لتصلك أخر المقابلات الحصرية من مجلة ليالينا على بريدك