عندما يسعى أحدهم لتخطي ماهو معتاد وماهو تقليدي، ويغامر رغم كلِّ المعوقات التي تقف في طريقه للوصول إلى هدف معين، حتماً إنه يمتلك إرادة قوية وتصميماً وتحدياً يمكن أن يوصله إلى أهدافه بجدارة.. سارة الحيدر شابةٌ قطرية، قرَّرت أن تتجاوز الخطوط التقليدية فيما يخصّ دراستها الأكاديمية، فدرست في كلية اعتُبرت تناسب الذكور فقط،لتصبح مهندسة طيران بعد تخرجها في دفعة مؤلفة من مجموعة من الشبان وطالبتين، سارة واحدة منهن. "ليالينا" التقت المهندسة سارة الحيدر، وكان معها الحوار التالي:

ما الذي دفعك إلى اختيار دراسة هندسة الطيران، ولاسيما أنها مهنة ذكورية في عالمنا العربي بشكل عام أو هكذا يُقال؟

في بداية المطاف كنت أسعى إلى الدراسة في نفس المجال، ولكن في إدارة المطار؛ إلا أنَّ هناك من نصحني بأنه ليس مكاني، بل مكاني في هندسة الطيران.وأنا أعتبر أنَّ الفضل يعود إلى هذا الشخص، الذي اقترح عليّ ما غيَّر مجرى حياتي كله.وفعلاً وجدت نفسي في هذا المجال،والآن بدأت (بعد التخرج) العمل في مجال هندسة الطيران في قطر.

ألم تواجهي (في البداية على الأقل)، اعتراضاً على دخولك هذا المجال ولاسيما من العائلةالتي تعترض في الغالب على ماهو غريب ولا تتقبله بسرعة؟

نعم كان هناك اعتراض من قبل عائلتي في البداية،إلا أنَّ وجود ابنة عمتي في هذا المجال قبلي شجَّع عائلتي على تقبُّل الأمر لاحقاً، وشجَّعني كذلك.بدورها، ابنة عمتي، قامت بتشجيعي كثيراً في البداية.

شقيقي كان أكثر من اعترض في البداية وقلق من دخولي هذا المجال. وأوَّل سؤال طرحه عليّ هو إن كنت قادرة على أن استمرّ دون توقف، حيث أجبته بأنني عنيدة ولن أتوقّف حتى أحقّق حلمي وفعلاً، بعد تخرجي ودخولي واقع العمل، قال لي إنَّ عنادي كان في الطريق الصحيح.

ألم يكن تحدياً بالنسبة إليك دخول كلية في دفعتك ليس فيها إلا الشبان؟

بالتأكيد..كان تحدياً بالنسبة لي أن أدخل كلية لم يكن فيها إلا شابة واحدة معي والباقي كلهم شبان. ولكنني اعتدت الأمر ولم أجد صعوبة لاحقاً..

كنت وزملائي عائلة واحدة، وأنا كنت أختهم الكبيرة؛ على اعتبار أنني كنت أكبرهم جميعاً بعامين،لأنني دخلت الجامعة متأخرة. والممتع في الأمر أنَّ طلاب الدفعة من جميع الجنسيات، وهذا يجعلنا نتعرَّف إلى الثقافات المختلفة.

ماهي العقبات التي واجهتك في سنوات الدراسة؟

يختلف العمل في هندسة الطيران بالنسبة إلى الذكور عنه بالنسبة إلى الإناث في البداية،وذلك من جهة أنَّ الشبان في الأصل كانوا قد تعلّموا شيئاً عن صيانة محركات السيارات،والطائرة مكبَّر عنها إلى حدٍّ ما،،في حين الإناث يدخلون مجال هندسة الطيران دون أن يعرفوا عنه شيئاً قبل ذلك.حتى أساتذتنا كانوا يقومون بمساعدة الإناث كثيراً، لعدم معرفتهن بجميع التفاصيل في البداية.

ماهي طبيعة مهنتك بالتحديد، وما الذي تقومين به في مجالك.. هل هو فعلاً إصلاح الأعطال التي يقوم بها الرجال عادة؟

هندسة صيانة الطائرات تنقسم إلى ميكانيكية وإلكترونية، وأنا أحببت الميكانيكية لأنه من الممتع فكّ وتركيب قطعها وإصلاح الأعطال فيها إما بتبديل القطع نفسها أو إيجاد حلّ لإصلاحها.

لكن الجانب الميكانيكي يحتاج إلى قوة بدنية، كما أنَّ زيَّ النساء، بل العباءة التي ترتديها السيدة الخليجية عموماً،لا يساعد في الحركة بحرّية؟

هذا صحيح، إذ طُلب منا في البداية أن نستبدل بلبس العباءة اللباس المخصص لمهندس الطيران، وهو عبارة عن "أفرول" مخصص للمهندسين.وكلّ الفتيات، في البداية، لايتقبلن الأمر،ولكن لابدَّ منه؛ليس لراحتنا في التحرك أثناء العمل فقط وإنما لسلامتنا.فمن الخطر أن نرتدي ملابس قد تعلق في مروحة الطائرة أو في أيّ شيء قد يودي بحياة المهندسة.أما فيما يخصّ القوة البدنية، فهناك أمور أستطيع التغلب عليها، باستثناء حمل القطع الكبيرة والضخمة، التي يوجد من يحملها عوضاً عنا.

ماهو أكثر شيء كنت تجدين فيه المتعة؟

كل تفاصيل عملي ممتعة. كنت أسعد كثيراً عندما أعود إلى المنزل وثيابي متسخة من كثرة العمل في إصلاح الأعطال أو التدرب على إصلاحها.

في المرحلة القادمة من عملك يتوجب عليك أن تسافري مع طاقم الطائرة بصفة مهندسة طيران لتكوني موجودة في حال حدوث أي عطل أو أمر طارئ لإصلاحه. وفي هذه الحال سوف تكونين في موقف الطبيب الذي عليه أن ينقذ المريض أو المصاب من الهلاك..هل أنت مستعدة لذلك؟

بالتأكيد، ولكن يجب ألا تقلع الطائرة قبل أن نتأكد من سلامتها 100 %.

ولكن ماذا لو واجهتك مشكلة وأنت في الرحلة.. ما الذي يمكن أن تقومي به؟

سوف أحاول التركيز مباشرة على سبب العطل في الطائرة لإصلاح الخطأ دون أن أرتبك. ولكن بشكل عام نادراً مايحدث ذلك بعد الإقلاع مع الطيران الحديث والتطورات التي طرأت عليه.

هل هناك مشكلة قد تحدث ولا يمكنكم التدخل فيها أثناء الإقلاع؟

لا.. فكل مشكلة لها حل.

في رأيك ما الذي يجب أن تتمتع به مهندسة الطيران من صفات لتكون ناجحة في مجالها؟

يجب أن تكون جريئة،وأن تتمتع بذكاء وفطنة للتعامل مع المشكلات بسرعة، وأن تتمتع بحبِّ التحدي وقوة الإرادة،وأن تضع في بالها أنها سوف تواجه تغييرات لم تعتد عليها وأن تتقبلها،وأن تلتزم بقوانين العمل. فمن الممنوع مثلاً أن تقوم بإسدال شعرها لأنه خطر على حياتها، والتجربة أثبتت ذلك؛ حيث وقعت حادثة قبل سنوات،إذ دخل شعر إحدى المهندسات في مروحة الطائرة ما أدّى إلى سحب رأسها وقتلها في هذه الحادثة طبعاً.لذا على المهندسة أن تكون مرنة في تقبّل القوانين المفروضة عليها؛لسلامتها أولاً، وسلامة من حولها.

من ينجح في هذا المجال (هندسة الطيران) أكثر؛ الرجل أم المرأة؟

الرجل يكمل المرأة والمرأة تكمله. هذه العبارة تعني أنَّ كل طرف فيهما ناجح، ولكن كلٌّ بقدر سعيه ومحاولاته للوصول إلى الأفضل. ولنجاحٍ أفضل يجب أن يكون هناك تعاون بينهما في شتى مجالات الحياة.

هل هناك خطأ وقعتِ به، كان سبباً في قيامك بـ"العدّ إلى العشرة" كما يُقال قبل المخاطرة في أيّ شيء؟

دون شك وقعنا في الأخطاء أيام الدراسة،ولكن كان من شأن هذه الأخطاء أن ساعدتنا في عدم الوقوع فيها عند دخولنا مجال العمل الفعلي. وهذا ماحصل فعلاً؛ حتى إننا بعد التخرج نعمل كمتدربين لمدة عامين،لأنَّ الأمر ليس بهذه البساطة،فهندسة الطيران مهنة فيها الكثير من المسؤولية، لذا لا نبدأ العمل الفعلي دون مساعدة من أحد قبل أن نكون على أتمّ استعداد لذلك.

هل تعتبرين أنَّ المرأة العربيةولاسيماالقطرية قادرة على دخول مجالات أخرى محسوبة بطبيعتها على الرجال؟

المرأة قادرة على دخول جميع التخصصات وهذا من حقها،كما من حق الرجل أن يجرب ما اعتُبر للمرأة، كتصميم الأزياء.. وهو ما حصل ليس في قطر فحسب بل في العالم العربي، حيث دخل رجال في مجال تصميم أزياء النساء على سبيل المثال.

بمَ تنصحين المرأة القطرية؟

أنصحها بألا تخاف من التحدي، وأن تجرب ما تحبّه؛فهناك نساء قادرات على الإبداع لكنهن يحتجن إلى أن يُدفعن إلى ذلك أو أن يتخذن خطوة البداية للاستمرار. والمهم في الأمر هو التخطيط والتمحيص في الخطوات التي يجب أن تخطوها المرأة (كي لا تتعثر مع أول مشكلة تقع فيها ومن ثم تتوقف عندها)، وتجاوزها مرحلة الخوف، التي سرعان ما تتلاشى مع الدخول إلى المجال الذي تبدع فيه.

أنت شابة قوية تعشق التحدي.. أما من نقطة ضعف في شخصيتك؟

بالتأكيد. نقطة ضعفي هي الظلام؛ فأنا أخاف العتمة، ولا أقبل أن يطفَأ نور غرفتي في أيّ وقت، حتى إنَّ إخوتي يضحكون من خوفي الذي لا يتناسب وجرأتي في المجالات الأخرى من حياتي.

اشترك بنشرة ليالينا الإلكترونية لتصلك أخر المقابلات الحصرية من مجلة ليالينا على بريدك