في تصوري، وهذا تحليلي الخاص، أن تأخير إقرار التعديلات الدستورية إلى اليوم هو بسبب أن جلالة الملك يريد أن يبقي الباب مفتوحاً إلى هذه اللحظة للوفاق أن تلحق بالركب من خلال إعطائها فرصة إضافة مزيد من التعديلات تنسبها لنفسها (كنجاح).
وذلك يعود لعدة أسباب؛ أولها طبيعة جلالة الملك المتسامحة والراغبة في أن ينضم جميع أبناء البحرين قبل الانطلاق، فجلالة الملك يرغب أن يكون المركب البحريني الذي يقوده مركباً سعيداً لا توجد به منغصات، الكل متعاون لتسييره إلى دفة الأمان وهي صورة رومانسية جميلة لكنها مع الأسف صورة غير واقعية بوادرها ضعيفة، لأن الوفاق متعنتة ولن تحسم القرار داخل أروقتها.
فالفريق الذي يتفق مع جلالة الملك فريق ضعيف إلى هذه اللحظة، ولم يتمكن من قيادة الوفاق رغم كل محاولات الوسطاء والمراقبين وتدخل ولي العهد وكل من يتمنى أن تكون لدينا نهاية سعيدة للأحداث الدامية لنخرج من النفق، لكنه كما قلنا فريق ضعيف.
السبب الثاني أن هناك ضغوطاً أمريكية وبريطانية تدفع إلى التريث علها تقنع فريقاً لها داخل الوفاق أن يأخذ المبادرة ويتحلى بالشجاعة والتقدم، وهي ضغوط إن وضعناها بدائرة التآمر فإنها تهدف لتقوية موقف الوفاق التفاوضي، وإن أخذناها بحسن نية فإنها تعكس رغبة الحلفاء بمساعدة البحرين من خلال مساعدة الوفاق لتحقيق التوازن بين طموحها ومكاسبها الواقعية اليوم.
إنما في كل الأحوال فإن تأخر إقرار التعديلات الدستورية إلى اليوم سببه (في اعتقادي الخاص) من أجل أن تلحق الوفاق بالركب، وألا تعزل تلك القيادات، ولنتذكر أن هذه هي الفرصة رقم أربعة أو خمسة (ضاعت الحسبة) التي تتاح لها ودقات الساعة تضغط عليها هذه المرة لأن الحليف الأمريكي والبريطاني يدفعانها بهذا الاتجاه، فلا الوقت ولا الظرف الإقليمي في صالحها.
فإن جاء يوم 16 مارس كموعد لإحالة التعديلات لمجلس النواب ووضعت التعديلات الدستورية بصيغتها النهائية وبها الكثير من الصلاحيات للمجلس المنتخب، وربما أيضاً أضيفت لها تعديلات ستجرى على الدوائر الانتخابية، وكلها تغيرات جذرية، فإن وضعت على جدول الأعمال كما كان مقرراً ولم تدخل الوفاق، وثم جاء يوم 30 مارس وأعلن بسيوني عن نتائج تفعيل توصيات تقريره، فإن الترجمة لتلك الإجراءات تعلن أن الباب قد أغلق فعلاً، وأن المركب سيسير بالوفاق أو بدونهم.
أما إذا لم توضع التعديلات الدستورية على جدول أعمال الجلسة القادمة يوم 20 مارس وأعلن عن تمديد آخر، فإن ذلك يعني أن التمديد بسبب تلك الرغبتين الملكية ورغبة الحلفاء بإعطاء الوفاق مزيداً من الوقت، إنما السؤال إلى متى؟
على صعيد آخر؛ هناك ضغوط شعبية تدفع بوقف هذه الفرص المتكررة التي استمرت عاماً كاملاً، والتي تمخضت عن لجنة تقصي للحقائق، والتي وضعت جلالة الملك في موضع المقر بالأخطاء والقابل للإصلاح والمعالجة، وأخرت تنفيذ العديد من العقوبات مقابل استمرار مكابرة من الطرف الآخر عن الاعتراف بالخطأ، أو حتى عن الاعتذار للشعب البحريني، ضغوط شعبية لا تثق بالوساطة الأمريكية وتشكك في نواياها، هذه الضغوط لن يستطيع تجاهلها جلالة الملك إلى الأبد ولن يستطيع أن يطالبها بمزيد من التمهل أكثر من ذلك، هي ضغوط ليست من أسرة جلالة الملك كما يصورها البعض، بل ضغوط من شارع كان ضحية لممارسات تيارات داخل الوفاق، لا تنكرها الوفاق فحسب بل تساهم صحيفتها بالنكران وبإحالة موقف هذا الشارع إلى الرغبة في توزيع “غنائم” دونما أدنى إحساس بالمسؤولية أو الرغبة في رأب الصدع، فتزيد الشرخ عمقاً وتساهم في تمسك هذا الشارع بموقفه المعارض.
وأياً كانت قوة هذه الضغوط أو الضغوط المقابلة؛ فإن بقاء التسوية والخلاصة النهائية للأزمة لا يمكن أن تظل قابعة في الأدراج إلى الأبد، لابد أن يحين الوقت لإقرارها واعتمادها وسواء مدد لها لما بعد 16 مارس أو لم يمدد فإن التمديد لن يبقى للأبد معلقاً، إذ إنه مقابل هذين الموقفين فإن مسؤولية جلالة الملك ومعه السلطات الثلاث؛ الأولى هي لتسيير البلد وتحريك عجلة الاقتصاد وعدم الرضوخ لمزيد من الابتزاز والإرهاب والتهديد، فإن كان قدرنا أن نتعايش كما تعايش البريطانيون وتعايش غيرنا من الشعوب مع مجموعات إرهابية تصر على الإبقاء على المولوتوف وأدوات القتل في الشارع، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وبإمكان البحرين أن تضع لها استراتيجية أمنية تقلل من أثر هذا الإرهاب على مسيرتها مثلها مثل بقية الدول الأخرى وأولهم كما قلنا بريطانيا التي استمرت فيها الحياة وانتعش اقتصادها ونجحت المرأة الحديدية حينها مارجريت تاتشر في تحييد أثر تلك الجماعات الإرهابية على عجلة التنمية والاقتصاد حين قالت كلمتها المشهورة “لا يمكن للإرهاب أن يكافأ”.
على المجتمع البحريني أن يصر على حقه في الحياة وفي العمل وفي الحفاظ على مكاسبه تاركاً مسألة التعامل مع تلك المجموعات الإرهابية للسلطات الأمنية، ويسعى هو لممارسة حياته الطبيعية ولتطوير مهاراته وقدراته في إدارة الدولة عبر تطوير مهاراته النيابية والبلدية والتنفيذية والقضائية جنباً إلى جنب مع تطوير نصه الدستوري.
خلاصة القول إن جلالة الملك والشعب البحريني هما اللذان يجب أن يحسما الوقت ويحسما الموقف لا أمريكا ولا الوفاق، ويحملان سوياً مشروعاً مشتركاً يمثل الإرادة الشعبية والإرادة الملكية مجتمعان للتطوير السياسي والاقتصادي الذي يعم خيره على الجميع بلا استثناء أوتمييز، عبر إقرار التعديلات الدستورية وإنهاء توصيات لجنة تقصي الحقائق وغلق هذا الباب، لا أن يترك الباب مفتوحاً إلى الأبد لتبقى البحرين معلقة أمنياً واقتصادياً وسياسياً، لابد أن تكون لدينا قيادة حديدية تتخذ موقفاً شجاعاً حاسماً لإنهاء الأزمة.
أما “قيادات” تيار ولاية الفقيه فعليهم أن يقرروا إما الركوب في السفينة البحرينية ومعالجة أثر ما أحدثوه مع شركائهم في الوطن، وإما العزلة السياسية والاجتماعية.